أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦١
ويدل على أن غلط الرواية في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: " من أصاب شيئا فهو له " وأنه نفل القاتل وغيره ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال. حدثنا هناد بن السري عن أبي بكر عن عاصم عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت: يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف! فقال: " إن هذا السيف ليس لي ولا لك "، فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي، فبينا أنا إذ جاءني الرسول فقال: أجب! فظننت أنه نزل في شيء بكلامي، فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وإن الله قد جعله لي فهو لك " ثم قرأ: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول). فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له ولا لسعد قبل نزول سورة الأنفال، وأخبر أنه لما جعله الله له آثره به، وفي ذلك دليل على فساد رواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نفلهم قبل القتال وقال من أخذ شيئا فهو له.
وقوله تعالى: (وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم). في هذه القصة ضروب من دلائل النبوة، أحدها: اخباره إياهم بأن إحدى الطائفتين لهم، وهي عير قريش التي كانت فيها أموالهم وجيشهم الذين خرجوا لحمايتها، فكان وعده على ما وعده.
وقوله تعالى: (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم) يعني أن المؤمنين كانوا يودون الظفر لما فيها الأموال وقلة المقاتلة، وذلك لأنهم خرجوا مستخفين غير مستعدين للحرب، لأنهم لم يظنوا أن قريشا تخرج لقتالهم.
وقوله تعالى: (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين)، وهو إنجاز موعده لهم في قطع دابر الكافرين وقتلهم.
وقوله تعالى: (فاستجاب لكم إني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم)، فوجد مخبر هذه الأخبار على ما أخبر به، فكان من طمأنينة قلوب المؤمنين ما أخبر به.
وقال تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه) فألقى عليهم النعاس في الوقت الذي يطير فيه النعاس بإظلال العدو عليهم بالعدة والسلاح وهم أضعافهم. ثم قال: ((وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) يعني من الجنابة، لأن فيهم من كان احتلم وهو رجز الشيطان لأنه من وسوسته في المنام (وليربط على قلوبكم) بما صار في قلوبهم من الأمنة والثقة بموعود الله (ويثبت به الأقدام) يحتمل من وجهين، أحدهما: صحة البصيرة والأمن والثقة الموجبة لثبات الأقدام، والثاني: أن موضعهم كان رملا دهسا
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»