أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦٥
النبي صلى الله عليه وسلم من بينهم، ألا ترى أن الأمم السالفة لما استحقوا الاستيصال أمر الله أنبياءه بالخروج من بينهم نحو لوط وصالح وشعيب صلوات الله عليهم؟ وقوله تعالى: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) قال ابن عباس: " لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة بقيت فيها بقية من المؤمنين " وقال مجاهد وقتادة والسدي: " أن لو استغفروا لم يعذبهم ".
قوله تعالى: (وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام). وهذا العذاب غير العذاب المذكور في الآية الأولى، لأن هذا عذاب الآخرة والأول عذاب الاستيصال في الدنيا.
وقوله تعالى: (وما كانوا أولياءه) قيل فيه وجهان، أحدهما: ما قال الحسن إنهم قالوا نحن أولياء المسجد الحرام فرد الله ذلك عليهم، والوجه الآخر: ما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون. فإذا أريد به أولياء المسجد ففيه دلالة على أنهم ممنوعون من دخول المسجد الحرام والقيام بعمارته، له وهو مثل قوله تعالى: (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله) [التوبة: 17].
وقوله عز وجل: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية). قيل: المكاء الصفير والتصدية التصفيق، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد وعطية وقتادة والسدي. ووري عن سعيد بن جبير أن التصدية صدهم عن البيت الحرام. وسمى المكاء والتصدية صلاة لأنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح.
وقيل: إنهم كانوا يفعلون ذلك في صلاتهم.
قوله تعالى: (و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله). قال ابن عباس والحسن: " حتى لا يكون شرك ". وقال محمد بن إسحاق: " حتى لا يفتتن مؤمن عن دينه ". والفتنة ههنا جائز أن يريد بها الكفر وجائز أن يريد بها البغي والفساد، لأن الكفر إنما سمي فتنة لما فيه من الفساد، فتنتظم الآية قتال الكفار وأهل البغي وأهل العيث والفساد، وهي تدل على وجوب قتال الفئة الباغية. وقوله تعالى: (ويكون الدين كله لله) يدل على وجوب قتال سائر أصناف أهل الكفر إلا ما خصه الدليل من الكتاب والسنة، وهم أهل الكتاب والمجوس، فإنهم يقرون بالجزية. ويحتج به من يقول لا يقر سائر الكفار على دينهم بالذمة إلا هؤلاء الأصناف الثلاثة، لقيام الدلالة على جواز إقرارها بالجزية.
الكلام في قسمة الغنائم قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه)، وقال في آية
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»