واحتج موجبو القراءة خلف الإمام بحديث محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر فتعامى عليه القراءة، فلما سلم قال: " أتقرؤون خلفي؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال:
" لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ". وهذا حديث مضطرب السند مختلف في رفعه، وذلك أنه رواه صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن مكحول عن نافع بن محمود بن ربيعة عن عبادة، ونافع بن محمود هذا مجهول لا يعرف. وقد روى هذا الحديث ابن عون عن رجاء بن حياة عن محمود بن الربيع موقوفا على عبادة لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل بوجهه فقال: " أتقرؤون والإمام يقرأ " فسكتوا، فسألهم ثلاثا فقالوا: إنا لنفعل، فقال:
" لا تفعلوا "، فلم يذكر فيه استثناء فاتحة الكتاب. وإنما أصل حديث عبادة ما روى يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة لمن لم يقرأ القرآن ". فلما اضطرب حديث عبادة هذا الاضطراب في السند والرفع والمعارضة لم يجز الاعتراض به على ظاهر القرآن والآثار الصحاح النافية للقراءة خلف الإمام.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة إلا بأم القرآن " فليس فيه إيجاب قراءتها خلف الإمام، لأن هذه صلاة بأم القرآن، إذ كانت قراءة الإمام له قراءة، وكذلك حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج غير تمام " فقلت: يا أبا هريرة إني أكون أحيانا خلف الإمام؟ فغمز ذراعي وقال: اقرأ يا فارسي في نفسك. فلا حجة لهم فيه، لأن أكثر ما فيه أنها خداج والخداج إنما هو النقصان ويدل على الجواز لوقوع اسم الصلاة عليها، وأيضا فإنه في المنفرد ليجمع بينه وبين الآية، والأخبار التي قدمناها في نفي القراءة خلف الإمام. وأما قول أبي هريرة: " اقرأ بها في نفسك " فإنه لم يعز ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله لا تثبت به حجة.
ومما يدل على أن أخبارنا أولى اتفاق الجميع على استعمالها في النهي عن القراءة خلف الإمام في حال جهر الإمام، وخبرهم مختلف فيه، فكان ما اتفقوا على استعماله في حال أولى مما اختلف فيه.
فإن قيل: تستعمل الأخبار كلها، فيكون أخبار النهي فيما عدا فاتحة الكتاب و أخبار الأمر بالقراءة في فاتحة الكتاب. قيل له: هذا يبطل بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: " علمت أن بعضكم خالجنيها " وقوله: " مالي أنازع القرآن " والقرآن لا يختص بفاتحة الكتاب دون