وكان في ذلك تقوى وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين لقوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول)، قال عبادة بن الصامت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليرد قوي المسلمين على ضعيفهم ". وروى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لم تحل الغنيمة لقوم سود الرؤوس قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها " فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم، فأنزل الله تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) [الأنفال: 68]. وقد ذكر في حديث عبادة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر قبل القتال: " من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله كذا "، ويقال إن هذا غلط، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين: " من قتل قتيلا فله سلبه " وذلك لأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس غيركم " وأن قوله تعالى: (يسألونك عن الأنفال) نزلت بعد حيازة غنائم بدر، فعلمنا أن رواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نفلهم ما أصابوا قبل القتال غلط، إذ كانت إباحتها إنما كانت بعد القتال. ومما يدل على غلطه أنه قال: " من أخذ شيئا فهو له ومن قتل قتيلا فله كذا " ثم قسمها بينهم بالسواء، وذلك لأنه غير جائز على النبي صلى الله عليه وسلم خلف الوعد ولا استرجاع ما جعله الانسان وأخذه منه وإعطاؤه غيره، والصحيح أنه لم يتقدم من النبي صلى الله عليه وسلم قول في الغنائم قبل القتال، فلما فرغوا من القتال تنازعوا في الغنائم فأنزل الله تعالى: (يسألونك عن الأنفال) فجعل أمرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أن يجعلها لمن شاء، فيقسمها بينهم بالسواء، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شىء فأن لله خمسه) [الأنفال: 41] على ما روي عن ابن عباس ومجاهد، فجعل الخمس لأهله المسمين في الكتاب، والأربعة الأخماس للغانمين، وبين النبي صلى الله عليه وسلم سهم الفارس والراجل، وبقي حكم النفل قبل إحراز الغنيمة بأن يقول: " من قتل قتيلا فله سلبه ومن أصاب شيئا فهو له " ومن الخمس وما شذ من المشركين من غير قتال فكل ذلك كان نفلا للنبي صلى الله عليه وسلم يجعله لمن يشاء، وإنما وقع النسخ في النفل بعد إحراز الغنيمة من غير الخمس. ويدل على أن قسمة غنائم بدر إنما كانت على الوجه الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم قسمتها لا على قسمتها الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها بينهم بالسواء ولم يخرج منها الخمس، ولو كانت مقسومة قسمة الغنائم التي استقر عليها الحكم لعزل الخمس لأهله ولفضل الفارس على الراجل، وقد كان في الجيش فرسان أحدهما للنبي صلى الله عليه وسلم والآخر للمقداد، فلما قسم الجميع بينهم بالسوية علمنا أن قوله تعالى: (قل الأنفال لله والرسول) قد اقتضى تفويض أمرها إليه ليعطيها من يرى، ثم نسخ النفل بعد إحراز الغنيمة وبقي حكمه قبل إحرازها على جهة تحريض الجيش والتضرية على العدو وما لم يوجف عليه المسلمون وما لا يحتمل القسم ومن الخمس على ما شاء.
(٦٠)