ومن سورة المنافقين بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله) إلى قوله:
(اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله). قال أبو بكر: هذا يدل على أن قوله:
" أشهد " يمين، لأن القوم قالوا: " نشهد " فجعله الله يمينا بقوله: (اتخذوا أيمانهم جنة).
وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فقال أصحابنا والثوري والأوزاعي: " أشهد وأقسم وأعز وأحلف كلها أيمان ". وقال زفر: " إذا قال أقسم لأفعلن فهو يمين ولو قال أشهد لأفعلن لم يكن يمينا ". وقال مالك: " إن أراد بقوله أقسم أي أقسم بالله فهو يمين وإلا فلا شئ وكذلك أحلف ": قال ولو قال أعزم لم يكن يمينا إلا أن يقول أعزم بالله، ولو قال علي نذر أو قال نذر لله فهو على ما نوى، وإن لم تكن له نية فكفارته كفارة يمين ". وقال الشافعي: " أقسم ليس بيمين وأقسم بالله يمين إن أرادها، وإن أراد الموعد فليست بيمين، وأشهد بالله إن نوى اليمين فيمين وإن لم ينو يمينا فليست بيمين، وأعزم بالله إن أراد يمينا فهو يمين ". وذكر الربيع عن الشافعي: " إذا قال أقسم أو أشهد أو أعزم ولم يقل بالله فهو كقوله والله، وإن قال أحلف بالله فلا شئ عليه إلا أن ينوي اليمين ".
قال أبو بكر: لا يختلفون أن " أشهد بالله " يمين فكذلك " أشهد " من وجهين، أحدهما: أن الله حكى عن المنافقين أنهم قالوا: " نشهد إنك لرسول الله " ثم جعل هذا الإطلاق يمينا من غير أن يقرنه باسم الله، وقال تعالى: (فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله) [النور: 6] فعبر عن اليمين بالشهادة على الإطلاق. والثاني: أنه لما أخرج ذلك مخرج القسم وجب أن لا يختلف حكمه في حذف اسم الله تعالى وفي إظهاره، وقد ذكر الله تعالى القسم في كتابه فأظهر تارة الاسم وحذفه أخرى والمفهوم باللفظ في الحالين واحد بقوله: (وأقسموا بالله جهد أيمانهم) [الأنعام: 109]، وقال في موضع آخر: (إذ أقسموا ليصر منها مصبحين) [القلم: 17]، فحذفه تارة اكتفاء بعلم المخاطبين بإضماره وأظهره أخرى. وروى الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن أبا بكر