أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦٠٨
أسلم: " أن تزني فتخرج للحد ". وقال قتادة: " إلا أن تنشز فإذا فعلت حل اخراجها ".
قال أبو بكر: هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ، وجائز أن يكون جميعها مرادا فيكون خروجها فاحشة وإذا زنت أخرجت للحد وإذا بذت على أهله أخرجت أيضا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس بالانتقال حين بذت على أحمائها، فأما عصيان الزوج والنشوز فإن كان في البذاء وسوء الخلق اللذين يتعذر المقام معها فيه فجائز أن يكون مرادا، وإن كانت إنما عصت زوجها في شئ غير ذلك فإن ذلك ليس بعذر في اخراجها. وما ذكرنا من التأويل المراد يدل على جواز انتقالها للعذر لأنه تعالى قد أباح لها الخروج للأعذار التي وصفنا.
قوله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) يدل على أنه إذا طلق لغير السنة وقع طلاقه وكان ظالما لنفسه بتعديه حدود الله، لأنه ذكر ذلك عقيب طلاق العدة فأبان أن من طلق لغير العدة فطلاقه واقع، لأنه لو لم يقع طلاقه لم يكن ظالما لنفسه. ويدل على أنه أراد وقوع طلاقه مع ظلمه لنفسه قوله تعالى عقيبه: (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) يعني أن يحدث له ندم فلا ينفعه لأنه قد طلق ثلاثا. وهو يدل أيضا على بطلان قول الشافعي في أن إيقاع الثلاث في كلمة واحدة من السنة، لأن الله جعله ظالما لنفسه حين طلق ثلاثا، وترك اعتبار ما عسى أن يلحقه من الندم بإبانتها، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم على ابن عمر بطلاقه إياها في الحيض وأمره بمراجعتها، لأن الطلاق الأول كان خطأ فأمره بالرجعة ليقطع أسباب الخطأ ويبتدئه على السنة.
وزعم قوم أن الطلاق في حال الحيض لا يقع، وقد بينا بطلان هذا القول في سورة البقرة من جهة الكتاب والسنة، وسؤال يونس بن جبير لابن عمر عن الطلاق في الحيض وذكره لأمر النبي صلى الله عليه وسلم إياه بالمراجعة قال: قلت: فيعتد بها؟ قال: " فمه؟ أرأيت إن عجز واستحمق؟ ". فإن احتج محتج بما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عروة يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع فقال: كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فقال عبد الله: فردها علي ولم يرها شيئا وقال: " إذا طهرت فليطلق أو ليمسك " قال ابن عمر: فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قبل عدتهن ".
فقال المحتج: فأخبر أنه ردها عليه ولم يرها شيئا، وذلك يدل على أن الطلاق لم يقع.
فيقال له: ليس فيما ذكرت دليل على أنه لم يحكم بالطلاق، بل دلالته ظاهرة على
(٦٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 603 604 605 606 607 608 609 610 611 612 613 ... » »»