أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٩
فيها تحديد وقت قيام الساعة وإنما فيه تقريب الوقت. وقد روي في تأويل قوله تعالى (فقد جاء أشراطها) [محمد: 18] أن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم من أشراطها، وقال الله تعالى:
(قل إنما علمها عند ربي) ثم قال: (قل إنما علمها عند الله) فإنه قيل إنه أراد بالأول علم وقتها وبالآخر علم كنهها قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها) قيل فيه:
جعل من كل نفس زوجها، كأنه قال: جعل من النفس زوجها ويريد به الجنس وأضمر ذلك، وقيل: من آدم وحواء.
قوله تعالى: (لئن آتيتنا صالحا) قال الحسن: " غلاما سويا ". وقال ابن عباس:
" بشرا سويا " لأنهما يشفقان أن يكون بهيمة.
وقوله تعالى: (فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما). قال الحسن وقتادة: الضمير في جعلا عائد إلى النفس وزوجه من ولد آدم لا إلى آدم وحواء. وقال غيرهما: راجع إلى الولد الصالح، بمعنى أنه كان معافى في بدنه وذلك صلاح في خلقه لا في دينه، ورد الضمير إلى اثنين لأن حواء كانت تلد في بطن واحد ذكرا وأنثى.
قوله تعالى: (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم). به عنى بالدعاء الأول تسميتهم الأصنام آلهة، والدعاء الثاني طلب المنافع وكشف المضار من جهتهم، وذلك مأيوس منهم. وقوله: (عباد أمثالكم) قيل: إنما سماها عبادا لأنها مملوكة لله تعالى، وقيل: لأنهم توهموا أنها تضر وتنفع، فأخبر أنه ليس يخرج بذلك عن حكم العباد المخلوقين. وقال الحسن: " إن الذين يدعون هذه الأوثان مخلوقة أمثالكم ".
قوله تعالى: (ألهم أرجل يمشون بها)، تقريع لهم على عبادتهم من هذه صفته، إذ لا شبهة على أحد في الناس أن من تبع من هذه صفته فهو ألوم ممن عبد من له جارحة يمكن أن ينفع بها أو يضر. وقيل: إنه قدرهم أنهم أفضل منها، لأن لهم جوارح يتصرفون بها والأصنام لا تصرف لها، فكيف يعبدون من هم أفضل منه! والعجب من أنفتهم من اتباع النبي صلى الله عليه وسلم مع ما أيده الله به من الآيات المعجزة والدلائل الباهرة لأنه بشر مثلهم، ولم يأنفوا من عبادة حجر لا قدرة له ولا تصرف وهم أفضل منه في القدرة على النفع والضر والحياة والعلم.
مطلب: في العفو و الأمر بالمعروف قوله تعالى: (خذ العفو وأمر بالعرف). روى هشام بن عروة عن أبيه عن
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»