أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٢٧
ولا كفارة، ولأنه قد أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة، فصاروا في الحكم بمنزلة من أبيح قتله فلا يجب به شيء. وليست المعرة المذكورة دية ولا كفارة، إذ لا دلالة عليه من لفظه ولا من غيره، والأظهر منه ما يصيبه من الغم والحرج باتفاق قتل المؤمن على يد على ما جرت به العادة ممن يتفق على يده ذلك. وقول من تأوله على العيب محتمل أيضا، لأن الانسان قد يعاب في العادة باتفاق قتل الخطأ على يده وإن لم يكن ذلك على وجه العقوبة.
قوله تعالى: (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية). قيل إنه لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب صلح الحديبية أمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكتبه، وأملى عليه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو "، فأبت قريش أن يكتبوا " بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله " وقالوا: نكتب باسمك اللهم ومحمد بن عبد الله، ومنعوه دخول مكة، فكانت أنفتهم من الإقرار بذلك من حمية الجاهلية.
وقوله تعالى: (وألزمهم كلمة التقوى)، روي عن ابن عباس قال: " لا إله إلا الله "، وعن قتادة مثله. وقال مجاهد: " كلمة الإخلاص ". وحدثنا عبد الله بن محمد قال:
حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في قوله: (وألزمهم كلمة التقوى) قال: " بسم الله الرحمن الرحيم ".
قوله تعالى: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين). قال أبو بكر: المقصد إخبارهم بأنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين متقربين بالإحرام، فلما ذكر معه الحلق والتقصير دل على أنهما قربة في الإحرام وأن الإحلال بهما يقع، لولا ذلك ما كان للذكر ههنا وجه. وروى جابر وأبو هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة "، وهذا أيضا يدل على أنهما قربة ونسك عند الإحلال من الإحرام. آخر سورة الفتح.
(٥٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 522 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 ... » »»