عرف ذلك من فحوى كلامه، لولا ذلك لما حكم بظلمه قبل أن يسأله فيقر عنده أو تقوم عليه البينة به.
وقوله تعالى: (وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض)، وهو يعني الشركاء، يدل على أن العادة في أكثر الشركاء الظلم والبغي. ويدل عليه أيضا قوله: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم). قوله تعالى: (وظن داود أنما فتناه) يدل على أنه عليه السلام لم يقصد المعصية بديا، وأن كلام الملكين أوقع له الظن بأنه قد أتى معصية وأن الله تعالى قد شدد عليه المحنة بها، لأن الفتنة في هذا الموضع تشديد التعبد والمحنة، فحينئذ علم أن ما أتاه كان معصية واستغفر منها.
وقوله تعالى: (وخر راكعا وأناب). روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال:
" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد في " ص " وليست من العزائم ". وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سجدة " ص ": " سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا ".
وروى الزهري عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر سجد في " ص ". وروى عثمان وابن عمر مثله. وقال مجاهد: قلت لابن عباس: من أين أخذت سجدة " ص "؟ قال: فتلا علي:
(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) [الأنعام: 90]، فكان داود سجد فيها فلذلك سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم. وروى مسروق عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد فيها ويقول: " هي توبة نبي ". وقول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها اقتداء بداود لقوله: (فبهداهم اقتده) [الأنعام: 90] يدل على أنه رأى فعلها واجبا، لأن الأمر على الوجوب، وهو خلاف رواية عكرمة عنه أنها ليست من عزائم السجود. ولما سجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها كما سجد في غيرها من مواضع السجود، دل على أنه لا فرق بينها وبين سائر مواضع السجود. وأما قول عبد الله: " إنها ليست بسجدة لأنها توبة نبي " فإن كثيرا من مواضع السجود إنما هو حكايات عن قوم مدحوا بالسجود، نحو قوله تعالى: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) [الأعراف: 206] وهو موضع السجود للناس بالاتفاق، وقوله تعالى: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا) [الإسراء: 107] ونحوها من الآي التي فيها حكاية سجود قوم فكانت مواضع السجود. وقوله: (وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون) [الانشقاق: 21] يقتضي لزوم فعله عند سماع القرآن، فلو خلينا والظاهر أوجبناه في سائر القرآن، فمتى اختلفنا في موضع منه فإن الظاهر يقتضي وجوب فعله إلا أن تقوم الدلالة على غيره. وأجاز أصحابنا الركوع عن سجود التلاوة، وذكر محمد بن الحسن أنه قد روي في تأويل قوله تعالى: (وخر راكعا) أن معناه: خر ساجدا، فعبر بالركوع عن