أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٩٥
ومن سورة والصافات بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: (إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر) إلى قوله: (وفديناه بذبح عظيم). قال أبو بكر: ظاهره يدل على أنه كان مأمورا بذبحه، فجائز أن يكون الأمر إنما تضمن معالجة الذبح لا ذبحا يوجب الموت، وجائز أن يكون الأمر حصل على شريطة التخلية والتمكين منه وعلى أن لا يفديه بشيء و أنه إن فدى منه بشيء كان قائما مقامه. والدليل على أن ظاهره قد اقتضى الأمر قوله: (افعل ما تؤمر) وقوله: (وفديناه بذبح عظيم)، فلو لم يكن ظاهره قد اقتضى الأمر بالذبح لما قال: (افعل ما تؤمر) ولم يكن الذبح فداء عن ذبح متوقع. وروي أن إبراهيم عليه السلام كان نذر إن رزقه الله ولدا ذكرا أن يجعله ذبيحا لله، فأمر بالوفاء به، وروي أن الله تعالى ابتدأ بالأمر بالذبح على نحو ما قدمنا. وجائز أن يكون الأمر ورد بذبح ابنه وذبحه فوصل الله أوداجه قبل خروج الروح وكانت الفدية لبقاء حياته.
قال أبو بكر: وعلى أي وجه تصرف تأويل الآية قد تضمن الأمر بذبح الولد إيجاب شاة في العاقبة، فلما صار موجب هذا اللفظ إيجاب شاة في المتعقب في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد أمر الله باتباعه بقوله تعالى: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا) [النحل: 123]، وقال: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) [الأنعام:
90]، وجب على من نذر ذبح ولده شاة.
وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار بعدهم في ذلك، فروى عكرمة عن ابن عباس في الرجل يقول هو نحر ابنه قال: " كبش كما فدى إبراهيم إسحاق ". وروى سفيان عن منصور عن الحكم عن علي في رجل نذر أن ينحر ابنه قال: " يهدي بدنة أو ديته " شك الراوي. وعن مسروق مثل قول ابن عباس. وروى شعبة عن الحكم عن إبراهيم قال:
" يحج ويهدي بدنة ". وروى داود بن أبي هند عن عامر في رجل حلف أن ينحر ابنه قال:
" قال بعضهم مائة من الإبل، وقال بعضهم كبش كما فدي إسحاق ".
(٤٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 500 ... » »»