أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٠٤
غيره كان لله أن يسقط عنه الحنث ولا يلزمه شيئا وإن لم يضربها بالضغث، فلا معنى على قوله لضربها بالضغث إذ لم يحصل به بر في اليمين. وزعم هذا القائل أن لله تعالى أن يتعبد بما شاء في الأوقات، وفيما تعبدنا به ضرب الزاني، قال: ولو ضربه ضربة واحدة بشماريخ لم يكن حدا. قال أبو بكر: أما ضرب الزاني بشماريخ فلا يجوز إذا كان صحيحا سليما، وقد يجوز إذا كان عليلا يخاف عليه، لأنه لو أفرد كل ضربة لم يجز إذا كان صحيحا، ولو جمع أسواطا فضربه بها وأصابه كل واحد منها أعيد عليه ما وقع عليه من الأسواط وإن كانت مجتمعة فلا فرق بين حال الجمع والتفريق، وأما في المرض فجائز أن يقتصر من الضرب على شماريخ أو درة أو نحو ذلك، فيجوز أن يجمعه أيضا فيضربه به ضربة، وقد روي في ذلك ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار: " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلدة على عظم، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال:
استفتوا لي النبي صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي! فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما رأينا أحدا به من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له شماريخ مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة ". ورواه بكير بن عبد الله بن الأشج عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد، وقال فيه: " فخذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة "، ففعلوا، وهو سعيد بن سعد بن عبادة، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف هذا ولد في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فصل وفي هذه الآية دلالة على أن للزوج أن يضرب امرأته تأديبا، لولا ذلك لم يكن أيوب ليحلف عليه ويضربها، ولما أمره الله تعالى بضربها بعد حلفه. والذي ذكره الله في القرآن وأباحه من ضرب النساء إذا كانت ناشزا بقوله: (واللاتي تخافون نشوزهن) إلى قوله: (واضربوهن) [النساء: 34]، وقد دلت قصة أيوب على أن له ضربها تأديبا لغير نشوز، وقوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء) [النساء: 34]. فما روي من القصة فيه يدل على مثل دلالة قصة أيوب، لأنه روي أن رجلا لطم امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أهلها القصاص، فأنزل الله: (الرجال قوامون على النساء بما فضل
(٥٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 ... » »»