أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٥٠٥
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: 34]. وفي الآية دليل على أن للرجل أن يحلف ولا يستثني، لأن أيوب حلف ولم يستثن. ونظيره من سنة النبي صلى الله عليه وسلم قوله في قصة الأشعريين حين استحملوه فقال: " والله لا أحملكم! " ولم يستثن، ثم حملهم وقال: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ". وفيها دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ثم فعل المحلوف عليه أن عليه الكفارة، لأنه لو لم تجب كفارة لترك أيوب ما حلف عليه ولم يحتج إلى أن يضربها بالضغث، وهو خلاف قول من قال: " لا كفارة عليه إذا فعل ما هو خير ". وقد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وذلك كفارته ". وفيها دليل على أن التعزير يجاوز به الحد، لأن في الخبر أنه حلف أن يضربها مائة فأمره الله تعالى بالوفاء به. إلا أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ". وفيها دليل على أن اليمين إذا كانت مطلقة فهي على المهلة وليست على الفور، لأنه معلوم أن أيوب لم يضرب امرأته في فور صحته. ويدل على أن من حلف على ضرب عبده أنه لا يبر إلا أن يضربه بيده، لقوله:
(وخذ بيدك ضغثا)، إلا أن أصحابنا قالوا فيمن لا يتولى الضرب بيده: " إن أمر غيره بضربه لا يحنث للعرف ". وفيها دليل على أن الاستثناء لا يصح إلا أن يكون متصلا باليمين، لأنه لو صح الاستثناء متراخيا عنها لأمر بالاستثناء ولم يؤمر بالضرب. وفيها دليل على جواز الحيلة في التوصل إلى ما يجوز فعله ودفع المكروه بها عن نفسه وعن غيره، لأن الله تعالى أمره بضربها بالضغث ليخرج به من اليمين ولا يصل إليها كثير ضرر.
آخر سورة ص.
(٥٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 500 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 ... » »»