أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٩٣
مقسوران على ما رتبهما الله عليه لا يمكن واحدا منهما أن يتغير عن ذلك. وقال أبو صالح: " لا يدرك أحدهما ضوء الآخر ". وقيل: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) حتى يكون نقصان ضوئها كنقصانه. وقيل: " لا تدركه في سرعة السير ". وحدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال: وبلغني أن عكرمة قال: " لكل واحد منهما سلطان، للقمر سلطان الليل وللشمس النهار، فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل " (ولا الليل سابق النهار) يقول: " لا ينبغي إذ كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون نهارا ".
فإن قيل: هذا يدل على ابتداء الشهر نهار لا ليل، لأنه قال: (ولا الليل سابق النهار)، فإذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما معا وجب أن يكون النهار سابقا لليل فيكون ابتداء الشهور من النهار لا من الليل. قيل له: ليس تأويل الآية ما ذهبت إليه، وإنما معناها أحد الوجوه التي تقدم ذكرها عن السلف، ولم يقل أحد منهم إن معناها أن ابتداء الشهور من النهار، فهذا تأويل ساقط بالإجماع. وأيضا فلما كانت الشهور التي تتعلق بها أحكام الشرع هي شهور الأهلة والهلال أول ما يظهر فإنما يظهر ليلا ولا يظهر ابتداء النهار، وجب أن يكون ابتداؤها من الليل، ولا خلاف بين أهل العلم أن أول ليلة من شهر رمضان هي من رمضان وأن أول ليلة من شوال هي من شوال، فثبت بذلك أن ابتداء الشهور من الليل، ألا ترى أنهم يبتدؤون بصلاة تراويح في أول ليلة منه؟ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت فيه الشياطين "، وجميع ذلك يدل على أن ابتداء الشهور من أول الليل. وقد قال أصحابنا فيمن قال لله علي اعتكاف شهر أنه يبتدىء به من الليل، لأن ابتداء الشهور من الليل.
قوله تعالى: (وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون). روي عن الضحاك وقتادة أنه أراد سفينة نوح. قال أبو بكر: فنسب الذرية إلى المخاطبين لأنهم من جنسهم، كأنه قال: ذرية الناس.
وقوله تعالى: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون). قال ابن عباس: " السفن بعد سفينة نوح ". وروي عن ابن عباس رواية أخرى وعن مجاهد: " أن الإبل سفن البر ".
قوله تعالى: (ومن نعمره ننكسه في الخلق). قال قتادة: " نصيره إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في غروب العلم وضعف القوى ". وقال غيره: " نصيره بعد القوة إلى الضعف وبعد زيادة الجسم إلى النقصان وبعد الجدة والطراوة إلى البلى ". قال أبو بكر: ومثله قوله تعالى: (ومنكم من يرد إلى أرذل) [النحل: 70]، العمر وسماه أرذل العمر لأنه لا يرجى له بعده عود من النقصان إلى الزيادة ومن الجهل إلى العلم كما يرجى
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»