أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٨٢
قوله تعالى: (ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)، يعني والله أعلم: في إيواء من أرجى منهن، أباح له بذلك أن يعتزل من شاء منهن ويؤوي من شاء، وأن يؤوي منهن من شاء بعد الاعتزال.
وقوله تعالى: (ذلك أدنى أن تقر أعينهن)، يعني والله أعلم: إذا علمن بعد الإرجاء أن لك أن تؤوي وترد إلى القسم. وهذه الآية تدل على أن القسم بينهن لم يكن واجبا على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان مخيرا في القسم لمن شاء منهن وترك من شاء منهن.
قوله تعالى: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج). روى ليث عن مجاهد قال: " يعني من بعدما سمي لك من مسلمة ولا يهودية ولا نصرانية ولا كافرة ". وعن مجاهد أيضا في قوله: (إلا ما ملكت يمينك) قال: " لا بأس أن تتسرى اليهودية والنصرانية ". وروى سعيد عن قتادة: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) قال: " لما خيرهن فاخترن الله ورسوله قصره عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله والدار الآخرة "، وهو قول الحسن. وروي غير ذلك، وهو ما روى إسرائيل عن السدي عن عبد الله بن شداد: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج) قال: " ذلك لو طلقهن لم يحل له أن يستبدل " قال: " وكان ينكح ما شاء بعد ما نزلت هذه الآية ". قال: " فنزلت هذه الآية وعنده تسع نسوة، ثم تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحارث ".
قال أبو بكر: ظاهر الآية يفيد تحريم سائر النساء على النبي صلى الله عليه وسلم سوى من كن تحته وقت نزولها، وقد روى ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: " ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حل له النساء ". قال أبو بكر: وهذا يوجب أن تكون الآية منسوخة، وليس في القرآن ما يوجب نسخها، فهي إذا منسوخة بالسنة، ويحتج به في جواز نسخ القرآن بالسنة.
فإن قيل: قوله: (لا يحل لك النساء من بعد) خبر والخبر لا يجوز النسخ في مخبره. قيل له: إنه وإن كان في صورة الخبر فهو نهي يجوز ورود النسخ عليه، وهو بمنزلة ما لو قال: لا تتزوج بعدهن النساء، فيجوز نسخه.
قوله تعالى: (ولو أعجبك حسنهن) يدل على جواز النظر إلى وجه المرأة الأجنبية، إذ لا يعجبه حسنها إلا وقد نظر إليها.
باب ذكر حجاب النساء قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»