رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور) فكان ذلك في صفة الخاشعين لله العاملين بعلمهم، وقد ذكر في آية أخرى المعرض عن موجب علمه فقال: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه) [الأعراف: 175 و 176] إلى آخر القصة، فهذه صفة العالم غير العامل، والأول صفة العالم المتقي لله. وأخبر عن الأولين بأنهم واثقون بوعد الله وثوابه على أعمالهم بقوله تعالى: (يرجون تجارة لن تبور).
قوله تعالى: (الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن). روى بعض السلف قال: من شأن المؤمن الحزن في الدنيا ألا تراهم حين يدخلون الجنة يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن؟. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الدنيا سجن المؤمن "، قيل لبعض النساك:
ما بال أكثر النساك محتاجين إلى ما في يد غيرهم؟ قال: لأن الدنيا سجن المؤمن، وهل يأكل المسجون إلا من يد المطلق.
قوله تعالى: (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب)، روي عن الحسن والضحاك قالا: " ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمر معمر آخر ". وقال الشعبي: " لا ينقص من عمره لا ينقضي ما ينقص منه وقتا بعد وقت وساعة بعد ساعة "، والعمر هو مدة الأجل التي كتبها الله لخلقه فهو عالم بما ينقص منها بمضي الأوقات والأزمان.
قوله تعالى: (أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير). روي عن ابن عباس ومسروق أن العمر الذي ذكر الله به أربعون سنة. وعن ابن عباس رواية وعن علي:
" ستون سنة ". وحدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني رجل من غفار عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لقد أعذر الله عبدا أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه لقد أعذر الله إليه ". وحدثنا عبد الله قال: حدثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أبي خيثم عن مجاهد عن ابن عباس قال: " العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم " ستون سنة ". وبإسناده عن مجاهد مثله من قوله.
قوله تعالى: (وجاءكم النذير)، روي عن بعض أهل التفسير أن النذير محمد صلى الله عليه وسلم، وروي أنه الشيب. قال أبو بكر: ويجوز أن يكون المراد النبي صلى الله عليه وسلم وسائر ما أقام الله من الدلائل على توحيده وتصديق رسله ووعده ووعيده وما يحدث في الانسان من حين بلوغه إلى آخر عمره من التغير والانتقال من حال إلى حال من غير صنع له فيه ولا اختيار منه له، فيكون حدثا شابا ثم كهلا ثم شيخا، وما ينقلب فيه فيما بين ذلك من