أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٤١
الراكد الكثير القائم في النهر والسبخة " وكره الوضوء بالماء بالفلاة إذا كان أقل من قدر الكر، وروي نحوه عن علقمة وابن سيرين، والكر عندهم ثلاثة آلاف رطل ومائتا رطل.
وقال الشافعي: " إذا كان الماء قلتين بقلال هجر لم ينجسه إلا ما غير طعمه أو لونه، وإن كان أقل يتنجس بوقوع النجاسة اليسيرة ".
والذي يحتج به لقول أصحابنا قوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث) [الأعراف:
157]، والنجاسات لا محالة من الخبائث، وقال: (إنما حرم عليكم الميتة والدم) [البقرة: 173] وقال في الخمر: (رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) [المائدة: 90].
ومر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما كان لا يستبرىء من البول والآخر كان يمشي بالنميمة "، فحرم الله هذه الأشياء تحريما مبهما ولم يفرق بين حال انفرادها واختلاطها بالماء، فوجب تحريم استعمال كل ما تيقنا فيه جزءا من النجاسة، ويكون جهة الحضر من طريق النجاسة أولى من جهة الإباحة من طريق الماء المباح في الأصل، لأنه متى اجتمع في شيء جهة الحضر وجهة الإباحة فجهة الحضر أولى، ألا ترى أن الجارية بين رجلين لو كان لأحدهما فيها مائة جزء وللآخر جزء واحد أن جهة الحضر فيها أولى من جهة الإباحة وأنه غير جائز لواحد منهما وطؤها؟.
فإن قيل: لم غلبت جهة الحضر في النجاسة على جهة الإيجاب في استعمال الماء الذي قد حلته نجاسة إذا لم تجد ماء غيره؟ ومعلوم أن استعماله في هذه الحال واجب إذا لزمه فرض أداء الصلاة، وإنما اجتمع ههنا جهة الحضر وجهة الإيجاب. قيل له: قولك إنه قد اجتمع فيه جهة الحضر وجهة الإيجاب خطأ، لأنه إنما يجب استعمال الماء الذي لا نجاسة فيه، فأما ما فيه نجاسة فلم يلزمه استعماله.
فإن قيل: إنما يلزمه اجتناب النجاسة إذا كانت متجردة بنفسها، فأما إذا كانت مخالطة للماء فليس عليه اجتنابها. قيل له: عموم ما ذكرنا من الآي والسنن قاض بلزوم اجتنابها في حالة الانفراد والاختلاط، ومن ادعى تخصيص شيء منه لم يجز له ذلك إلا بدلالة أ وأيضا فإذا كان واجدا لماء غيره لم تخالطه نجاسة فليس بواجب عليه استعمال الماء الذي فيه النجاسة، وأكثر ما فيه عند مخالفنا جواز استعماله على وجه الإباحة، وما ذكرناه من لزوم اجتناب النجاسة يوجب الحضر، والإباحة والحضر متى اجتمعا فالحكم للحظر على ما بينا، وإذا صح ذلك وكان واجدا لماء غيره وجب أن يكون ذلك حكمه إذا لم يجد غيره لوجهين، أحدهما: لزوم استعمال الآي الحاظرة لاستعمال النجاسات، فثبت بذلك أن الحضر قد تناولها في حال اختلاطها به كهو في حال انفرادها، والثاني: أن أحدا لم يفرق بين حال وجود ماء غيره وبينه إذا لم يجد غيره، فإذا صح لنا ذلك في حال
(٤٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 441 442 443 444 445 446 ... » »»