أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٤٥٢
ومن سورة القصص بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالى: (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج). من الناس من يحتج بذلك في جواز عقد النكاح على منافع الحر، وليس فيه دلالة على ما ذكروا لأنه شرط منافعه لشعيب عليه السلام ولم يشرط لها مهرا، فهو بمنزلة من تزوج امرأة بغير مهر مسمى وشرط لوليها منافع الزوج مدة معلومة، فهذا إنما يدل على جواز عقد النكاح من غير تسمية مهر، وشرطه للمولى ذلك يدل على أن عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد. وجائز أن يكون قد كان النكاح جائزا في تلك الشريعة بغير بدل تستحقه المرأة، فإن كان كذلك فهذا منسوخ بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على أنه قد كان جائزا في تلك الشريعة أن يشرط للولي منفعة. ويحتج به في جواز الزيادة في العقود لقوله تعالى: (فإن أتممت عشرا فمن عندك)، قال ابن عباس: " قضى موسى أتم الأجلين وأوفاهما ".
قوله تعالى: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) الآية. قال مجاهد: " كان ناس من أهل الكتاب أسلموا، فآذاهم المشركون فصفحوا عنهم، يقولون سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ". قال أبو بكر: هذا سلام متاركة وليس بتحية، وهو نحو قوله: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " [الفرقان: 63]، وقوله: (واهجرني مليا) [مريم: 46]، وقال إبراهيم: (سلام عليك سأستغفر لك ربي) [مريم: 47]. ومن الناس من يظن أن هذا يجوز على جواز ابتداء الكافر بالسلام. وليس كذلك، لما وصفنا من أن السلام ينصرف على معنيين، أحدهما: المسالمة التي هي المتاركة، والثاني: التحية التي هي دعاء بالسلامة والأمن، نحو تسليم المسلمين بعضهم على بعض، وقوله صلى الله عليه وسلم: " للمؤمن على المؤمن ست أحدهما أن يسلم عليه إذا لقيه "، وقوله تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [النساء: 86]، وقوله: (تحيتهم فيها سلام) [إبراهيم: 23].
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكفار: " لا تبدأوهم بالسلام ". " وأنه إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ".
(٤٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»