مالك ". قيل له: هذا يدل على أنهم لم يروا ذلك واجبا وأنه على وجه الندب، لأنه لو كان واجبا عندهم لسقط بعد عقد الكتابة هذا القدر، إذ كان المكاتب مستحقا له ولم يكن المولى يحتاج إلى أن يعطيه شيئا.
فإن قيل: قد يجوز أن يجب عليه مال الكتابة مؤجلا ويستحق هو على المولى أن يعطيه من ماله مقدار الربع فلا يصير قصاصا بل يستحق على المولى تعجيله فيكون مال الكتابة إلى أجله، كمن له على رجل دين مؤجل فيصير للمدين على الطالب دين حال فلا يصير قصاصا له. قيل له: إن الله تعالى لم يفرق بين الكتابة الحالة والمؤجلة، وكذلك من روى عنه من السلف الحط لم يفرقوا بين الحالة والمؤجلة، ولم يفرق أيضا بين أن يحل مال الكتابة المؤجل وبين أن لا يحل فيما ذكروا من الحط والإيتاء، فعلمنا أنه لم يرد به الإيجاب إذ لم يجعله قصاصا إذا كانت حالة أو كانت مؤجلة فحلت، وأوجب الإيتاء في الحالين، والإيتاء هو الإعطاء، وما يصير قصاصا لا يطلق فيه الإعطاء.
ومما يدل من جهة السنة على ما وصفنا ما روى يونس والليث عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: جاءتني بريرة فقالت: يا عائشة إني قد كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني! ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، فقالت لها عائشة:
ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت. فأبوا وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " لا يمنعك منها ابتاعي واعتقي فإنما الولاء لمن أعتق "، وذكر الحديث. وروى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة بنحوه، فلما لم تكن قضت من كتابتها شيئا وأرادت عائشة أن تؤدي عنها كتابتها كلها وذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم النكير عليها ولم يقل إنها تستحق أن يحط عنها بعض كتابتها أو أن يعطيها المولى شيئا من ماله، ثبت أن الحط من الكتابة على الندب لا على الإيجاب، لأنه لو كان واجبا لأنكره النبي صلى الله عليه وسلم ولقال لها ولم تدفعي إليهم مالا يجب لهم عليها. ويدل عليه أيضا ما روى محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة: أن جويرية جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له فكاتبته فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على كتابتي، فقال: " فهل لك في خير من ذلك؟ " فقالت: وما هو يا رسول الله؟ فقال: " أقضي عنك كتابتك وأتزوجك " قالت: نعم، قال: " قد فعلت ". ففي هذا الحديث أنه بذل لجويرية أداء جميع كتابتها عنها إلى مولاها، ولو كان الحط واجبا لكان الذي يقصد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأداء عنها باقي كتابتها. وقد روى عن عمر وعثمان والزبير ومن قدمنا قولهم من السلف أنهم لم