أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٣٨٧
يطلق ". وقال الشافعي: " إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته ولا تحل له أبدا التعنت أو لم تلتعن ".
قال أبو بكر: أما قول عثمان البتي في أنه لا يفرق بينهما فإنه قول تفرد به ولا نعلم أحدا قال به غيره، وكذلك قول الشافعي في إيقاعه الفرقة بلعان الزوج خارج عن أقاويل سائر الفقهاء وليس له فيه سلف.
والدليل على أن فرقة اللعان لا تقع إلا بتفريق الحاكم ما حدثنا محمد بن بكر قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب أن سهل بن سعد الساعدي أخبره: أن عويمر العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فأت بها! " قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغنا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فهي طالق ثلاثا، فطلقها عويمر ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين. وفي هذا الخبر دلالة على أن اللعان لم يوجب الفرقة لقوله: " كذبت عليها إن أمسكتها " وذلك لأن فيه إخبارا منه بأنه ممسك لها بعد اللعان على ما كان عليه من النكاح، إذ لو كانت الفرقة قد وقعت قبل ذلك لاستحال قوله: " كذبت عليها إن أمسكتها " وهو غير ممسك لها، فلما أخبر بعد اللعان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم إنه ممسك لها ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم دل ذلك على أن الفرقة لم تقع بنفس اللعان، إذ غير جائز أن يقار النبي صلى الله عليه وسلم أحدا على الكذب ولا على استباحة نكاح قد بطل، فثبت أن الفرقة لم تقع بنفس اللعان. ويدل عليه أيضا ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب أن ابن شهاب كتب يذكر عن سهل بن سعد أنه أخبره أن عويمرا قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت عند أهلي رجلا أأقتله؟ قال: " ائت بامرأتك فإنه قد نزل فيكما " فجاء بها فلاعنها، ثم قال: إني قد افتريت عليها إن لم أفارقها. فأخبر في هذا الحديث أنه لم يكن فارقها باللعان وأمره النبي صلى الله عليه وسلم، ولما طلقها ثلاثا بعد اللعان ولم ينكره صلى الله عليه وسلم، دل ذلك على أن الطلاق قد وقع موقعه، وعلى قول الشافعي أنها قد بانت منه بلعان الزوج ولا يلحقها طلاقه بعد البينونة، فقد خالف الخبر من هذا الوجه أيضا. وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال:
حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن وهب عن عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل بن سعد في هذا الخبر - أعني قصة عويمر - قال: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وسلم،
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»