جعفر بن محمد الواسطي قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا حجاج، وقد ورد عن ابن عباس أيضا ما حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا ابن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) قال: ثم قال: (إلا الذين تابوا) قال: " فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله مقبولة ". قال أبو بكر: ويحتمل أن لا يكون ذلك مخالفا لما روي عنه في الحديث الأول، بأن يكون أراد بأن شهادته مقبولة إذا لم يجلد وتاب، والأول على أنه جلد فلا تقبل شهادته وإن تاب.
وروي عن شريح وسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير قالوا: " لا تجوز شهادته وإن تاب إنما توبته فيما بينه وبين الله ". وقال إبراهيم: " رفع عنهم بالتوبة اسم الفسق فأما الشهادة فلا تجوز أبدا ". وروي عن عطاء وطاوس ومجاهد والشعبي والقاسم بن محمد وسالم والزهري: " أن شهادته تقبل إذا تاب ". وروي عن عمر بن الخطاب من وجه مطعون فيه أنه قال لأبي بكرة: " إن تبت قبلت شهادتك "، وذلك أنه رواه ابن عيينة عن الزهري قال سفيان: عن سعيد بن المسيت، ثم شك وقال: هو عمر بن قيس، أن عمر قال لأبي بكرة: " إن تبت قبلت شهادتك فأبى أن يتوب "، فشك سفيان بن عيينة في سعيد بن المسيب وعمر بن قيس. ويقال إن عمر بن قيس مطعون فيه، فلم يثبت عن عمر بهذا الإسناد هذا القول. ورواه الليث عن ابن شهاب أنه بلغه أن عمر قال ذلك لأبي بكرة، وهذا بلاغ لا يعمل عليه على مذهب المخالف. وقد روي عن سعيد بن المسيب أن شهادته غير مقبولة بعد التوبة، فإن صح عنه حديث عمر فلم يخالفه إلا إلى ما هو أقوى منه، ومع ذلك فليس في حديث عمر أنه قال ذلك لأبي بكرة بعد ما جلده، وجائز أن يكون قاله قبل الجلد.
قال أبو بكر: وما ذكرنا من اختلاف السلف وفقهاء الأمصار في حكم القاذف إذا تاب فإنما صدر عن اختلافهم في رجوع الاستثناء إلى الفسق أو إلى إبطال الشهادة وسمة الفسق جميعا فيرفعهما، والدليل على أن الاستثناء مقصور الحكم على ما يليه من زوال سمة الفسق به دون جواز الشهادة أن حكم الاستثناء في اللغة رجوعه إلى ما يليه ولا يرجع إلى ما تقدمه إلا بدلالة، والدليل عليه قوله تعالى: (إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته) [الحجرة: 59]، فكانت المرأة مستثناة من المنجين لأنها تليهم، ولو قال رجل لفلان: " على عشرة دراهم إلا ثلاثة دراهم إلا درهم " كان عليه ثمانية دراهم وكان الدرهم مستثنى من الثلاثة، وإذا كان ذلك حكم الاستثناء وجب الاقتصار به على ما يليه. ويدل عليه أيضا أن قوله: (فإن لم تكونوا دخلتم بهن) [النساء: 23] في معنى