الخمر والقذف إذا شهد عنده الشهود، ولا يقطعه في السرقة وإنما يقطعه الإمام "، وهو قول الليث بن سعد. وقال الشافعي: " يحده المولى ويقطعه ". وقال الثوري: " يحده المولى في الزنا " رواية الأشجعي، وذكر عنه الفريابي: " أن المولى إذا حد عبده ثم أعتقه جازت شهادته ". وقال الأوزاعي: " يحده المولى ". وروي عن الحسن قال: " ضمن هؤلاء أربعا: الصلاة والصدقة والحدود والحكم "، رواه عنه ابن عون، وروي عنه بدل الصلاة الجمعة. وقال عبد الله بن محيريز: " الحدود والفيء والجمعة والزكاة إلى السلطان ". وقد روى حماد بن سلمة عن يحيى البكاء عن مسلم بن يسار عن أبي عبد الله - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان ابن عمر يأمرنا أن نأخذ عنه وهو عالم فخذوا عنه - فسمعته يقول: " الزكاة والحدود والفيء والجمعة إلى السلطان "، وقد قيل إن أبا عبد الله هذا يظن أنه أخو أبي بكرة واسمه نافع فهؤلاء والسلف قد روي عنهم ذلك، ولا نعلم عن أحد من الصحابة خلافه. وقد روي عن الأعمش أنه ذكر إقامة عبد الله بن مسعود حدا بالشام، وقال الأعمش: هم أمراء حيث كانوا وجائز أن يكون عبد الله بن مسعود قد كان ولي ذلك لأنه لم يذكر إن المحدود كان عبده.
فإن قيل: روي عن ابن أبي ليلى أنه قال: أدركت بقايا الأنصار يضربوا الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم. قيل له: يجوز أن يكونوا فعلوا ذلك على وجه التعزير لا على وجه إقامة الحد، لأنهم لم يكونوا مأمورين برفعها إلى الإمام بل كانوا مأمورين بالستر عليها وترك رفعها إلى الإمام. والدليل على أن إقامة الحد على المملوك إلى الإمام دون المولى قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزا بما كسبا) [المائدة:
38]، وقال: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)، وقال في آية أخرى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) [النساء: 25]، وقد علم من قرع سمعه هذا الخطاب من أهل العلم أن المخاطبين بذلك هم الأئمة دون عامة الناس، فكان تقديره: فليقطع الأئمة والحكام أيديهما وليجلدهما هو الأئمة والحكام. ولما ثبت باتفاق الجميع أن المأمورين بإقامة هذه الحدود على الأحرار هم الأئمة ولم تفرق هذه الآيات بين المحدودين من الأحرار والعبيد، وجب أن يكون فيهم جميعا وأن يكون الأئمة هم المخاطبون بإقامة الحدود على الأحرار والعبيد دون الموالي ز ويدل على ذلك أيضا أنه لو جاز للمولى أن يسمع شهادة الشهود على عبده بالسرقة فيقطعه ثم يرجع الشهود عن شهادتهم أن يكون له تضمين الشهود، ومعلوم أن تضمين الشهود يتعلق بحكم الحاكم بالشهادة، لأنه لو لم يحكم بشهادتهم لم يضمنوا شيئا، فكان يصير حاكما لنفسه بإيجاب الضمان عليهم، ومعلوم أن أحدا من الناس