لهم يا زناة فعليه حد واحد، وإن قال لكل انسان يا زاني فكل انسان حد "، وهو قول الشعبي، وقال عثمان البتي: " إذا قذف جماعة فعليه لكل واحد حد، وإن قال لرجل زنيت بفلانة فعليه حد واحد، لأن عمر ضرب أبا بكرة وأصحابه حدا واحدا ولم يحدهم للمرأة ". وقال الأوزاعي: " إذا قال يا زاني ابن زان فعليه حدان، وإن قال لجماعة إنكم زناة فحد واحد ". وقال الحسن بن صالح: " إذا قال من كان داخل هذه الدار فهو زان ضرب لمن كان داخلها إذا عرفوا ". وقال الشافعي فيما حكاه المزني عنه: " إذا قذف جماعة بكلمة واحدة فلكل واحد حد، وإن قال لرجل واحد يا ابن الزانيين فعليه حدان "، وقال في أحكام القرآن: " إذا قذف امرأته برجل لاعن ولم يحد للرجل ".
قال أبو بكر: قال الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة)، ومعلوم أن مراده جلد كل واحد من القاذفين ثمانين جلدة، فكان تقدير الآية: ومن رمى محصنا فعليه ثمانون جلدة، وهذا يقتضي أن قاذف جماعة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين، ومن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فهو مخالف لحكم الآية. ويدل عليه من جهة السنة ما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن أبي عدي قال: أنبأنا هشام بن حسان قال: حدثني عكرمة عن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " البينة أو حد في ظهرك! " فقال:
يا رسول الله إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة؟! فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
" البينة وإلا فحد في ظهرك! " فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله في أمري ما يبرىء ظهري من الحد! فنزلت: (والذين يرمون أزواجهم)، وذكر الحديث.
وروى محمد بن كثير قال: حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس:
أن هلال بن أمية قذف شريك بن سحماء بامرأته، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ائت بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك! " قال ذلك مرارا، فنزلت آية اللعان. قال أبو بكر: قد ثبت بهذا الخبر أن قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات) الآية، كان حكما عاما في الزوجات كهو في الأجنبيات، لقوله صلى الله عليه وسلم لهلال بن أمية: " ائت بأربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك " ولأن عموم الآية قد اقتضى ذلك، ثم لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على هلال إلا حدا واحدا مع قذفه لامرأته ولشريك بن سحماء، إلى أن نزلت آية اللعان فأقيم اللعان في الزوجات مقام الحد في الأجنبيات، ولم ينسخ موجب الخبر من وجوب الاقتصار على حد واحد إذا قذف جماعة، فثبت بذلك أنه لا يجب على قاذف الجماعة إلا حد واحد.
ويدل عليه من جهة النظر أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد منه مرارا لا يوجب إلا حدا