أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٦٨
وقد اختلف في غسق الليل، فروى مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر عن ابن عباس أنه كان يقول: " غسق الليل اجتماع الليل وظلمته ". وروى ليث عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان يقول: " دلوك الشمس حين تزول الشمس إلى غسق الليل حين تجب الشمس ". قال: وقال ابن مسعود: " دلوك الشمس حين تجب الشمس إلى غسق الليل حين يغيب الشفق ". وعن عبد الله أيضا أنه لما غربت الشمس قال: " هذا غسق الليل ". وعن أبي هريرة: " غسق الليل غيبوبة الشمس ". وعن الحسن: " غسق الليل صلاة المغرب والعشاء ". وعن إبراهيم: " غسق الليل العشاء الآخرة ". وقال أبو جعفر: " غسق الليل انتصافه ".
قال أبو بكر: من تأول دلوك الشمس على غروبها فغير جائز أن يكون تأويل غسق الليل عنده غروبها أيضا، لأنه جعل الابتداء الدلوك وغسق الليل غاية له، وغير جائز أن يكون الشيء غاية لنفسه فيكون هو الابتداء وهو الغاية، فإن كان المراد بالدلوك غروبها فغسق الليل هو إما الشفق الذي هو آخر وقت المغرب أو اجتماع الظلمة وهو أيضا غيبوبة الشفق، لأنه لا يجتمع إلا بغيبوبة البياض، وإما أن يكون آخر وقت العشاء الآخرة المستحب وهو انتصاف الليل، فينتظم اللفظ حينئذ المغرب والعشاء الآخرة.
قوله تعالى: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا). قال أبو بكر: هو معطوف على قوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس)، وتقديره: أقم قرآن الفجر، وفيه الدلالة على وجوب القراءة في صلاة الفجر لأن الأمر على الوجوب ولا قراءة في ذلك الوقت واجبة إلا في الصلاة.
فإن قيل: معناه صلاة الفجر قيل له: هذا غلط من وجهين، أحدهما: أنه غير جائز أن تجعل القراءة عبارة عن الصلاة لأنه صرف للكلام عن حقيقته إلى المجاز بغير دليل. والثاني: قوله في نسق التلاوة: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) ويستحيل التهجد بصلاة الفجر ليلا، و " الهاء " في قوله " به " كناية عن قرآن الفجر المذكور قبله، فثبت أن المراد حقيقة القراءة لإمكان التهجد بالقرآن المقروء في صلاة الفجر واستحالة التهجد بصلاة الفجر. وعلى أنه لو صح أن المراد ما ذكرت لكانت دلالته قائمة على وجوب القراءة في الصلاة، وذلك لأنه لم يجعل القراءة عبارة عن الصلاة إلا وهي من أركانها وفروضها.
قوله تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك). روي عن حجاج بن عمرو الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يحسب أحدكم إذا قام أول الليل إلى آخره أنه قد تهجد، لا، ولكن التهجد الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة،
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»