أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٦٩
وكذلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الأسود وعلقمة قالا: " التهجد بعد النوم ".
والتهجد في اللغة السهر للصلاة أو لذكر الله، والهجود النوم، وقيل: التهجد التيقظ بما ينفي النوم. وقوله: (نافلة لك) قال مجاهد: " وإنما كانت نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت طاعاته نافلة أي زيادة في الثواب ولغيره كفارة لذنوبه ". وقال قتادة: نافلة: تطوعا وفضيلة ". وروى سليمان بن حيان قال: حدثنا أبو غالب قال: حدثنا أبو أمامة قال: " إذا وضعت الطهور مواضعه فعدت مغفورا، وإن قمت تصلي كانت لك فضيلة وأجرا، فقال له رجل: يا أبا أمامة أرأيت إن قام يصلي يكون له نافلة؟ قال: لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف يكون ذلك نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا يكون لك فضيلة وأجرا! " فمنع أبو أمامة أن تكون النافلة لغير النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة؟ " قال قلت: فما تأمرني؟ قال: " صل الصلاة لوقتها فإن أدركتهم فصلها معهم لك نافلة ". وروى قتادة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الوضوء يكفر ما قبله ثم تصير الصلاة نافلة " قيل له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس.
فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم بهذين الخبرين النافلة لغيره، والنافلة هي الزيادة بعد الواجب وهي التطوع والفضيلة، ومنه النفل في الغنيمة وهو ما يجعله الإمام لبعض الجيش زيادة على ما يستحقه من سهامها، بأن يقول: من قتل قتيلا فله سلبه ومن أخذ شيئا فهو له.
قوله تعالى: (قل كل يعمل على شاكلته)، قال مجاهد: " على طبيعته ". وقيل:
" على عادته التي ألفها ". وفيه تحذير من إلف الفساد والمساكنة إليه فيستمر عليه. وقيل:
" على أخلاقه ". قال أبو بكر: شاكلته ما يشاكله ويليق به ويشبهه، فالذي يشاكل الخير من الناس الخير والصلاح والذي يشاكل الشرير الشر والفساد، وهو كقوله: (الخبيثات للخبيثين) [النور: 26] يعني: الخبيثات من الكلام للخبيثين من الناس، (والطيبات للطيبين) [النور: 26] يعني: الطيبات من الكلام للطيبين من الناس. ويروى أن عيسى عليه السلام مر بقوم فكلموه بكلام قبيح ورد عليهم ردا حسنا، فقيل له في ذلك، فقال:
" إنما ينفق كل انسان ما عنده ".
قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي). اختلف في الروح الذي سألوا عنه، فروي عن ابن عباس: " أنه جبريل ". وروي عن علي: " أنه ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه لكل وجه سبعون ألف لسان يسبح الله بجميع ذلك ". وقيل:
" إنما أراد روح الحيوان "، وهو ظاهر الكلام. قال قتادة: " الذي سأله عن ذلك قوم من
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»