أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٧١
واقعا للعجم بمثل هذه المعاني في الإتيان بها عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها، ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات وإن كانت لغة العرب أفصحها، وقد علمنا أن القرآن في أعلى طبقات البلاغة فجائز أن يكون التحدي للعجم واقعا بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها.
قوله تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث). وقوله: (فرقناه) يعني فرقناه بالبيان عن الحق من الباطل. وقوله: (لتقرأه على الناس على مكث) يعني على تثبت وتوقف ليفهموه بالتأمل ويعلموا ما فيه بالتفكر ويتفقهوا باستخراج ما تضمن من الحكم والعلوم الشريفة. وقد قيل: إنه كان ينزل منه شيء فيمكثون ما شاء الله ثم ينزل شيء آخر، وهو في معنى قوله: (ورتل القرآن ترتيلا) [المزمل: 4]. وروى سفيان عن عبيد المكتب قال: سئل مجاهد عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة جلوسهما وسجودهما وركوعهما سواء أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، ثم قرأ: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث). وروى معاوية بن قرة عن عبيد الله بن المغفل قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قراءة بينة ". وروى حماد بن سلمة عن أبي حمزة الضبعي قال: قال ابن عباس: " لأن أقرأ القرآن فأرتلها وأتدبرها أنه أحب إلي من أن أقرأ القرآن هذا ". وروى الأعمش عن عمارة عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: " لا تقرؤوا القرآن في أقل من ثلاث واقرأه في سبع ". وروى الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد أنه كان يقرأه في سبع والأسود في ست وعلقمة في خمس. وروي عن عثمان بن عفان أنه قرأ القرآن في ليلة. وروى ابن أبي ليلى عن صدقة عن ابن عمر قال: بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم سقف في المسجد واعتكف فيه في آخر رمضان وكان يصلي فيه، فأخرج رأسه فرأى الناس يصلون فقال: " إن المصلي إذا صلى يناجي ربه فليعلم أحدكم بما يناجيه "، وفي ذلك دليل على أن المستحب الترتيل، لأنه به يعلم ما يناجي ربه به ويفهم عن نفسه ما يقرأه.
باب السجود على الوجه قال الله تعالى: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ". روي عن ابن عباس قال: " للوجوه ". وروى معمر عن قتادة في قوله تعالى:
(يخرون للأذقان سجدا) قال: " للوجوه ". وقال معمر: وقال الحسن: " اللحى ". وسئل ابن سيرين عن السجود على الأنف فقال: (يخرون للأذقان سجدا). وروى طاوس عن
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»