أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٩٥
شاة وشاة ففيها خمس شياه "، وروى إبراهيم نحو ذلك. وقد ثبتت آثار مستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالقول الأول دون قول الحسن بن صالح.
واختلف في صدقة العوامل من الإبل والبقر، فقال أصحابنا والثوري والأوزاعي والحسن بن صالح والشافعي: " ليس فيها شيء " وقال مالك والليث: " فيها صدقة ".
والحجة للقول الأول ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا حسن بن إسحاق التستري قال: حدثنا حمويه قال: حدثنا سوار بن مصعب عن ليث عن طاوس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في البقر العوامل صدقة ". وحدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة وعن الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه - قال زهير: أحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: " وفي البقر في كل ثلاثين تبيع وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء " وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس في النخة ولا في الكسعة ولا في الجبهة صدقة ". وقال أهل اللغة: النخة البقر العوامل والكسعة الحمير والجبهة الخيل. وأيضا فإن وجوب الصدقة فيما عدا الذهب والفضة متعلق بكون مرصدا للنماء من نسلها أو من أنفسها، والسائمة يطلب نماؤها إما من نسلها أو من أنفسها، والعاملة غير مرصدة للنماء وهي بمنزلة دور الغلة وثياب البذلة ونحوها. وأيضا الحاجة إلى علم وجوب الصدقة في العوامل كهي إلى السائمة، فلو كان من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف في إيجابها في العاملة لورد النقل به متواترا في وزن وروده في السائمة، فلما لم يرد بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة نقل مستفيض علمنا أنه لم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم توقيف في إيجابها، بل قد وردت آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي الصدقة عنها، منها ما قدمناه ومنها ما روى يحيى بن أيوب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن دينار أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في ثور المثيرة صدقة ". وروي عن علي وجابر بن عبد الله وإبراهيم ومجاهد وعمر بن عبد العزيز والزهري نفي صدقة البقر العوامل، ويدل عليه حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لأبي بكر الصديق كتابا في الصدقات: " هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فمن سألها من المؤمنين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطه:
صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين فيها شاة "، فنفى بذلك الصدقة عن غير السائمة لأنه ذكر السائمة ونفى الصدقة عما عداها.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم " في خمس من الإبل شاة " وذلك عموم يوجب في السائمة وغيرها. قيل له: يخصه ما ذكرنا، ولم يقل بقول مالك في إيجابه الصدقة في البقر العوامل أحد قبله.
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»