الملك للمتصدق عليه. وأيضا فإن العتق واقع في ملك المولى غير منتقل إلى الغير، ولذلك ثبت ولاؤه منه، فغير جائز وقوعه عن الصدقة. ولما قامت الحجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق وجب أن لا يكون الولاء لغيره، فإذا انتفى أن يكون الولاء إلا لمن أعتق ثبت أن المراد به المكاتبون. وأيضا روى عبد الرحمن ابن سهل بن حنيف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أعان مكاتبا في رقبته أو غازيا في عسرته أو مجاهدا في سبيل الله أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "، فثبت بذلك أن الصدقة على المكاتبين معونة لهم في رقابهم حتى يعتقوا، وذلك موافق لقوله تعالى: (وفي الرقاب).
وروى طلحة اليماني عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: علمني عملا يدخلني الجنة! قال: " لئن كنت أقصرت الخطبة لقد عرضت المسألة، أعتق النسمة وفك الرقبة! " قال: أو ليسا سواء؟ قال: " لا، عتق النسمة أن تفوز بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الركوب والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير "، فجعل عتق النسمة غير فك الرقبة، فلما قال: (وفي الرقاب) كان الأولى أن يكون في معونتها بأن يعطى المكاتب حتى يفك العبد رقبته من الرق. وليس هو ابتياعها وعتقها، لأن الثمن حينئذ يأخذه البائع، وليس في ذلك قربة وإنما القربة في أن يعطى العبد نفسه حتى يفك به رقبته، وذلك لا يكون إلا بعد الكتابة لأنه قبلها يحصل للمولى، وإذا كان مكاتبا فما يأخذه لا يملكه المولى وإنما يحصل للمكاتب فيجزي من الزكاة. وأيضا فإن عتق الرقبة يسقط حق المولى عن رقبته من غير تمليك ولا يحتاج فيه إلى إذن المولى، فيكون بمنزلة من قضى دين رجل بغير أمره فلا يجزي من زكاته، وإن دفعه إلى الغارم فقضى به دين نفسه جاز، كذلك إذا دفعه إلى المكاتب فملكه أجزاه عن الزكاة، وإذا أعتقه لم يجزه لأنه لم يملكه وحصل العتق بغير قبوله ولا إذنه.
قوله تعالى: (والغارمين)، قال أبو بكر: لم يختلفوا أنهم المدينون، وفي هذا دليل على أنه إذا لم يملك فضلا عن دينه مائتي درهم فإنه فقير تحل له الصدقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها في فقرائكم ". فحصل لنا بمجموع الآية والخبر أن الغارم فقير، إذ كانت الصدقة لا تعطى إلا الفقراء بقضية قوله صلى الله عليه وسلم: " وأردها في فقرائكم "، وهذا يدل أيضا على أنه إذا كان عليه دين يحيط بماله وله مال كثير أنه لا زكاة عليه، إذ كان فقيرا يجوز له أخذ الصدقة.