أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ١٥٠
وحدثنا عن خلف بن عمرو العكبري قال: حدثنا المعلى بن مهدي: حدثنا عبد الوارث:
حدثنا ليث عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. فقد اقتضى هذا اللفظ وجوب الجهاد لإخباره بإدخال الله الذل عليهم بذكر عقوبة على الجهاد، والعقوبات لا تستحق إلا على ترك الواجبات، وهذا يدل على أن مذهب ابن عمر في الجهاد فرض على الكفاية وإن الرواية التي رويت عنه في نفي فرض الجهاد إنما هي على الوجه الذي ذكرنا من أنه غير متعين على كل حال في كل زمان.
ويدل على أنه فرض على الكفاية قوله تعالى: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة)، وقوله: (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) [النساء: 71]، وقوله: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى) [النساء:
71]، فلو كان الجهاد فرضا على كل أحد في نفسه لما كان القاعدون موعودين بالحسنى بل كانوا يكونون مذمومين مستحقين للعقاب بتركه. وحدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان: حدثنا أبو عبيد: حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله عز وجل: (فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) [النساء: 71] وفي قوله: (انفروا خفافا وثقالا) قال: نسختها (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، قال: تنفر طائفة وتمكث طائفة مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فالماكثون هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو بما نزل من قضاء الله وكتابه وحدوده. وحدثنا جعفر بن محمد قال: أخبرنا جعفر بن محمد بن اليمان قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية قال: " يعني من السرايا كانت ترجع وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم، فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم بعدهم ويبعث سرايا أخر " قال: فذلك قوله: (ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم). فثبت بما قدمنا لزوم فرض الجهاد وأنه فرض على الكفاية وليس بلازم لكل أحد في خاصة نفسه وماله إذا كفاه ذلك غيره.
قوله تعالى: (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم) الآية. روي عن الحسن ومجاهد والضحاك: " شبانا وشيوخا ". وعن أبي صالح: " أغنياء وفقراء ". وعن الحسن:
" مشاغيل وغير مشاغيل ". وعن ابن عباس وقتادة: " نشاطا وغير نشاط ". وعن ابن عمر:
" ركبانا ومشاة ". وقيل: " ذا صنعة وغير ذي صنعة ". قال أبو بكر: كل هذه الوجوه
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»