قال: حدثنا حماد: أخبرنا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم "، فأوجب الجهاد بكل ما أمكن الجهاد به. وليس بعد الإيمان بالله ورسوله فرض آكد ولا أولى بالإيجاب من الجهاد، وذلك أنه بالجهاد يمكن إظهار الاسلام وأداء الفرائض، وفي ترك الجهاد غلبة العدو ودروس الدين وذهاب الاسلام، إلا أن فرضه على الكفاية على ما بينا.
فإن احتج محتج بما روى عاصم بن زيد بن عبد الله بن عمر عن واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الاسلام على خمس "، فذكر الشهادتين والصلاة والزكاة والحج وصوم رمضان، فذكر هذه الخمس ولم يذكر فيه الجهاد، وهذا يدل على أنه ليس بفرض. قال أبو بكر: وهذا حديث في الأصل موقوف على ابن عمر، رواه وهب عن عمر بن محمد عن زيد عن أبيه عن ابن عمر أنه قال:
" وجدت الاسلام بني على خمس "، وقوله: " وجدت " دليل على أنه قاله من رأيه، وجائز أن يجد غيره ما هو أكثر منه، وقول حذيفة: " بني الاسلام على ثمانية أسهم أحدها الجهاد " يعارض قول ابن عمر.
فإن قيل: فقد روى عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان قال:
سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسا قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن لا تغزو؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بني الاسلام على خمسة "، فهذا حديث مستقيم السند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قيل له: جائز أن يكون إنما اقتصر على خمسة لأنه قصد إلى ذكر ما يلزم الانسان في نفسه دون ما يكون منه فرضا على الكفاية، ألا ترى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود وتعلم علوم الدين وغسل الموتى وتكفينهم ودفنهم كلها فروض ولم يذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فيما بني عليه الاسلام؟ ولم يخرجه ترك ذكره من أن يكون فرضا، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قصد إلى بيان ذكر الفروض اللازمة للإنسان في خاصة نفسه في أوقات مرتبة ولا ينوب غيره عنها فيه، والجهاد فرض على الكفاية على الحد الذي بينا، فلذلك لم يذكره.
وقد روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوبه، وهو ما حدثنا عن عبد الله بن شيرويه قال: حدثني إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا جرير عن ليث بن أبي سليم عن عطاء عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمان وما نرى أن أحدا منا أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، حتى إن الدينار والدرهم اليوم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد أدخل الله عليهم ذلا لا ينزعه عنهم حتى يراجعوا دينهم ".