أنه يغنيهم من فضله " فقيل: إنه أراد الجزية المأخوذة من المشركين، وقيل: أراد الإخبار بإبقاء المتاجر من جهة المسلمين، لأنه كان عالما أن العرب وأهل بلدان العجم سيسلمون ويحجون فيستغنون بما ينالون من منافع متاجرهم من حضور المشركين، وهو نظير قوله تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد) [المائدة: 97] الآية، فأخبر تعالى عما في حج البيت والهدي والقلائد من منافع الناس ومصالحهم في دنياهم ودينهم، وأخبر في قوله: (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) عما ينالون من الغنى بحج المسلمين وإن كانوا قليلين في وقت نزول الآية. وإنما علق الغنى بالمشيئة لمعنيين كل واحد منهما جائز أن يكون مرادا، أحدهما: أنه لما كان منهم من يموت ولا يبلغ هذا الغنى الموعود به علقه بشرط المشيئة، والثاني: لينقطع الآمال إلى الله في إصلاح أمور الدنيا والدين، كما قال الله تعالى: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين) [الفتح: 27].
باب أخذ الجزية من أهل الكتاب قال الله عز وجل: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون). أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مع إظهارهم الإيمان بالنشور والبعث، وذلك يحتمل وجوها، أحدها: أن يكون مراده لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي يجري حكم الله فيه من تخليد أهل الكتاب في النار وتخليد المؤمنين في الجنة فلما كانوا غير مؤمنين بذلك أطلق القول فيهم بأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر ومراده حكم يوم الآخر وقضاؤه فيه، كما تقول: أهل الكتاب غير مؤمنين بالنبي، والمراد بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل فيه إنه أطلق ذلك فيهم على طريق الذم لأنهم بمنزلة من لا يقربه في عظم الجرم، كما أنهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بكفرهم الذي اعتقدوه. وقيل أيضا: لما كان إقرارهم عن غير معرفة لم يكن ذلك إيمانا وأكثرهم بهذه الصفة. وقوله تعالى: (ولا يدينون دين الحق) فإن دين الحق هو الاسلام، وقال الله تعالى: (إن الدين عند الله الاسلام) [آل عمران: 19] وهو التسليم لأمر الله وما جاءت به رسله والانقياد له والعمل به. والدين ينصرف على وجوه: منها الطاعة، ومنها القهر، ومنها الجزاء، قال الأعشى:
هو دان الرباب إذ كرهوا الدين * دراكا بغزوة وصيال