أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٨٢
اختلف فيه الغني والفقير، فعلمنا أن هذا التأويل ساقط. وأيضا في حديث ابن عباس إباحة الأكل دون أن يكتسي منه عمامة، ولو كان ذلك مستحقا لعمله لما اختلف فيه حكم المأكول والملبوس، فهذا أحد الوجوه التي تأولت عليه الآية وهو أن يقتصر على الأكل فحسب إذا عمل لليتيم. وقال آخرون: " يأخذه فرضا ثم يقضيه ". وروى شريك عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر قال: " إني أنزلت مال الله تعالى مني بمنزلة مال اليتيم، إن استغنيت استعففت وإن افتقرت أكلت بالمعروف وقضيت ". وروي عن عبيدة السلماني وسعيد بن جبير وأبي العالية وأبي وائل ومجاهد مثل ذلك، وهو أن يأخذ قرضا ثم يقضيه إذا وجد. وقول ثالث: قال الحسن وإبراهيم وعطاء بن أبي رباح ومكحول: " إنه يأخذ منه ما يسد الجوعة ويواري العورة ولا يقضي إذا وجد ". وقول رابع: وهو ما روي عن الشعبي أنه بمنزلة الميتة يتناوله عند الضرورة، فإذا أيسر قضاه وإذا لم يوسر فهو في حل.
وقول خامس: وهو ما روى مقسم عن ابن عباس: (فليستعفف) قال: بغناه (ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف) قال: فلينفق على نفسه من ماله حتى لا يصيب من مال اليتيم شيئا، حدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا منجاب بن الحارث قال: حدثنا أبو عامر الأسدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس بمعنى ذلك. وقد روى عكرمة عنه أنه يقضي. وروي عن ابن عباس أنه منسوخ. وقال مجاهد في رواية أخرى: " فليأكل بالمعروف من مال نفسه ولا رخصة له في مال اليتيم "، وهو قول الحكم.
قال أبو بكر: فحصل الاختلاف بين السلف على هذه الوجوه، وروي عن ابن عباس أربع روايات على ما ذكرنا، أحدها: أنه إذا عمل لليتيم في إبله شرب من لبنها، والثانية: أنه يقضي، والثالثة: لا ينفق من مال اليتيم شيئا ولكنه يقوت على نفسه من ماله حتى لا يحتاج إلى مال اليتيم، والرابعة: أنه منسوخ. والذي نعرفه من مذهب أصحابنا أنه لا يأخذه قرضا ولا غيره غنيا كان أو فقيرا، ولا يقرضه غيره أيضا. وقد روى إسماعيل بن سالم عن محمد قال: أما نحن فلا نحب للوصي أن يأكل من مال اليتيم شيئا قرضا ولا غيره، ولم يذكر خلافا. وروى محمد في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن رجل عن ابن مسعود قال: " لا يأكل الوصي من مال اليتيم قرضا ولاه غيره "، وهو قول أبي حنيفة، وذكر الطحاوي أن مذهب أبي حنيفة أنه يأخذ قرضا إذا احتاج ثم يقضيه، كما روي عن عمر ومن تابعه. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف: " إنه لا يأكل من مال اليتيم إذا كان مقيما، فإن خرج لتقاضي دين لهم أو إلى ضياع لهم فله أن ينفق ويكتسي ويركب، فإذا رجع رد الثياب والدابة إلى اليتيم "، قال: وقال أبو يوسف: وقوله تعالى:
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»