وقد اختلف في معنى السفهاء ههنا، فقال ابن عباس: " السفيه من ولدك وعيالك " وقال: " المرأة من أسفه السفهاء ". وقال سعيد بن جبير والحسن والسدي والضحاك وقتادة: " النساء والصبيان ". وقال بعض أهل العلم: " كل من يستحق صفة سفيه في المال من محجور عليه وغيره ". وروى الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال:
" ثلاثة يدعون الله لا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى ماله سفيها وقد قال الله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم)، ورجل داين رجلا فلم يشهد عليه ". وروي عن مجاهد: " أن السفهاء النساء ". وقيل إن أصل السفه خفة الحلم، ولذلك سمي الفاسق سفيها لأنه لا وزن له عند أهل الدين والعلم، ويسمى الناقص العقل سفيها لخفة عقله، وليس السفه في هؤلاء صفة ذم ولا يفيد معنى العصيان لله تعالى، وإنما سموا سفهاء لخفة عقولهم ونقصان تمييزهم عن القيام بحفظ المال.
فإن قيل: لا خلاف أنه جائز أن نهب النساء والصبيان المال، وقد أراد بشير أن يهب لابنه النعمان فلم يمنعه النبي صلى الله عليه وسلم منه إلا لأنه لم يعط سائر بنيه مثله، فكيف يجوز حمل الآية على منع إعطاء السفهاء أموالنا؟ قيل له: ليس المعنى فيه التمليك وهبة المال، وإنما المعنى فيه أن نجعل الأموال في أيديهم وهم غير مضطلعين بحفظها، وجائز للإنسان أن يهب الصغير والمرأة كما يهب الكبير العاقل ولكنه يقبضه له من يلي عليه ويحفظ ماله ولا يضيعه، وإنما منعنا الله تعالى بالآية أن نجعل أموالنا في أيدي الصغار والنساء اللاتي لا يكملن بحفظها وتدبيرها.
وقوله عز وجل: (وارزقوهم فيها واكسوهم)، يعني وارزقوهم من هذه الأموال، لأن " في " ههنا بمعنى " من " إذ كانت حروف الصفات تتعاقب فيقام بعضها مقام بعض، كما قال تعالى: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) وهو بمعنى " مع "، فنهانا الله عن دفع الأموال إلى السفهاء الذين لا يقومون بحفظها وأمرنا بأن نرزقهم منها ونكسوهم. فإن كان مراد الآية النهي عن إعطائهم مالنا على ما اقتضى ظاهرها ففي ذلك دليل على وجوب نفقة الأولاد السفهاء والزوجات لأمره إيانا بالإنفاق عليهم من أموالنا، وإن كان تأويلها ما ذهب إليه القائلون بأن مرادها أن لا نعطيهم أموالهم وهم سفهاء، فإنما فيه الأمر بالإنفاق عليهم من أموالهم. وهذا يدل على الحجر من وجهين، أحدهما: منعهم من أموالهم، والثاني: إجازته تصرفنا عليهم في الانفاق عليهم وشرى أقواتهم وكسوتهم.
وقوله تعالى: (وقولوا لهم قولا معروفا)، قال مجاهد وابن جريج: (قولا معروفا) عدة جميلة بالبر والصلة على الوجه الذي يجوز ويحسن. ويحتمل أن يريد به إجمال المخاطبة لهم وإلانة القول فيما يخاطبون به، كقوله تعالى: (فأما اليتيم فلا