يأخذه من مال اليتيم من أن يأخذه أجرة أو على سبيل رزق القاضي والعامل، ومعلوم أن الأجرة إنما تكون على عمل معلوم ومدة معلومة وأجر معلوم، وينبغي أن يتقدم له عقد إجارة ويستوي فيها الغني والفقير، ومن يجيز له أخذ شئ من مال اليتيم على وجه القرض أو على جهة غير القرض فإنه لا يجعله أجرة لما ذكرنا ولاختلاف حكم الغني والفقير عندهم فيه، فثبت أنه ليس بأجرة ولا يجوز له أن يأخذه على حسب ما يأخذه القضاة من الأرزاق لاستواء حال الغني والفقير من القضاة فيما يأخذونه من الأرزاق، واختلاف الغني والفقير عند مجيزي أخذ ذلك من مال اليتيم، ولأن الرزق إنما يجب في بيت مال المسلمين لا في مال أحد بعينه من الناس. فالمشبه لولي اليتيم فيما يجيز له أخذ شئ من ماله بالقاضي والأجير فيما يأخذ أنه مغفل للواجب عليه.
ويدل على أن ولي اليتيم لا يحل له أخذ شئ من ماله قول النبي صلى الله عليه وسلم في غنائم خيبر: " لا يحل لي مما أفاء الله عليكم مثل هذه " يعني وبرة أخذها من بعيره " إلا الخمس والخمس مردود فيكم ". فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتولاه من مال المسلمين كما ذكرنا، فالوصي فيما يتولاه من مال اليتيم أحرى أن يكون كذلك. وأيضا لما كان دخول الوصي في الوصية على وجه التبرع من غير شرط أجرة، كان بمنزلة المستبضع فلا أجرة له ولا يحل له أخذ شئ منه قرضا ولا غيره كما لا يجوز ذلك للمستبضع.
وقوله تعالى: (فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم). قال أبو بكر: الآي التي تقدم ذكرها في أمر الأيتام تدل على أن سبيل الأيتام أن يلي عليهم غيرهم في حفظ أموالهم والتصرف عليهم فيما يعود نفعه عليهم، وهم وصي الأب أو الجد إن لم يكن وصي أب، أو وصي الجد إن لم يكن أحد من هؤلاء، أو أمين حاكم عدل بعد أن يكون الأمين أيضا عدلا، وكذلك شرط الأوصياء والجد والأب وكل من يتصرف على الصغير لا يستحق الولاية عليه إلا أن يكون عدلا مأمونا، فأما الفاسق والمتهم من الآباء والمرتشي من الحكام والأوصياء والأمناء غير المأمونين فإن واحدا من هؤلاء غير جائز له التصرف على الصغير ولا خلاف في ذلك نعلمه، ألا ترى أنه لا خلاف بين المسلمين في أن القاضي إذا فسق بأخذ الرشا أو ميل إلى هوى وترك الحكم أنه معزول غير جائز الحكم؟
فكذلك حكم الله فيمن ائتمنه على أموال الأيتام من قاض أو وصي أو أمين لا أو حاكم، فغير جائز ثبوت ولايته في ذلك إلا على شرط العدالة وصحة الأمانة. وقد أمر الله أولياء الأيتام بالإشهاد عليهم بعد البلوغ بما يدفعون إليهم من أموالهم، وفي ذلك ضروب من الأحكام، أحدها: الاحتياط لكل واحد من اليتيم ووالي ماله، فأما اليتيم فلأنه إذا قامت عليه البينة بقبض المال كان أبعد من أن يدعي ما ليس له، وأما الوصي فلأن يبطل دعوى