أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٨١
مطلب: في أن السرف مجاورة حد المباح إلى المحظور من إفراط أو تقصير وأما قوله تعالى: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا)، فإن السرف مجاوزة حد المباح إلى المحظور، فتارة يكون السرف في التقصير وتارة في الإفراط لمجاوزة حد الجائز في الحالين.
وقوله تعالى: (وبدارا)، قال ابن عباس وقتادة والحسن والسدي: " مبادرة "، والمبادرة الإسراع في الشئ، فتقديره النهي عن أكل أموالهم مبادرة أن يكبروا فيطالبوا بأموالهم. وفيها دلالة على أنه إذا صار في حد الكبر استحق المال إذا كان عاقلا من غير شرط إيناس الرشد، لأنه إنما شرط إيناس الرشد بعد البلوغ، وأفاد بقوله تعالى: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) أنه لا يجوز له إمساك ماله بعد ما يصير في حد الكبر، ولولا ذلك لما كان لذكر الكبر ههنا معنى، إذ كان الوالي عليه هو المستحق لماله قبل الكبر وبعده، فهذا يدل على أنه إذا صار في حد الكبر استحق دفع المال إليه. وجعل أبو حنيفة حد الكبر في ذلك خمسا وعشرين سنة، لأن مثله يكون جدا، ومحال أن يكون جدا ولا يكون في حد الكبار. والله أعلم.
باب أكل ولي اليتيم من ماله قال الله تعالى: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف). قال أبو بكر: قد اختلف السلف في تأويله، فروى معمر عن الزهري عن القاسم بن محمد قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاما لهم أموال، وهو يستأذنه أن يصيب منها، فقال ابن عباس: ألست تهنأ جرباءها؟ قال: بلى، قال: ألست تبغى ضالتها؟ قال: بلى، قال: ألست تلوط حياضها؟ قال: بلى، قال: ألست تفرط عليها يوم ورودها؟ قال: بلى، قال: فاشرب من لبنها غير ناهك في الحلب ولا مضر بنسل. وروى الشيباني عن عكرمة عن ابن عباس قال: " الوصي إذا احتاج وضع يده مع أيديهم ولا يكتسي عمامة ". فشرط في الحديث الأول عمله في مال اليتيم في إباحة الأكل، ولم يشرط في حديث عكرمة. وروى ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني أنه سأل أناسا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف)، فقالوا: فينا نزلت، إن الوصي كان إذا عمل في نخل اليتيم كانت يده مع أيديهم. وقد طعن في هذا الحديث من جهة سنده، ويفسد أيضا من جهة أنه لو أبيح لهم الأكل لأجل عملهم لما
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»