بحضرته حين وهبه قبولا. ويدل على أنها لو قالت " قد طبت لك نفسا عن مهري " وأرادت الهبة والبراءة أن ذلك جائز لقوله تعالى: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا).
وقد اختلف الفقهاء في هبة المرأة مهرها لزوجها، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد والشافعي: " إذا بلغت المرأة واجتمع لها عقلها جاز لها التصرف في مالها بالهبة أو غيرها بكرا كانت أو ثيبا ". وقال مالك: " لا يجوز أمر البكر في مالها ولا ما وضعت عن زوجها من الصداق وإنما ذلك إلى أبيها في العفو عن زوجها، ولا يجوز لغير الأب من أوليائها ذلك "، قال: " وبيع المرأة ذات الزوج دارها وخادمها جائز وإن كره الزوج إذا أصابت وجه البيع، فإن كانت فيه محاباة كان من ثلث مالها، وإن تصدقت أو وهبت أكثر من الثلث لم يجز من ذلك قليل ولا كثير "، قال مالك: " والمرأة الأيم إذا لم يكن لها زوج في مالها كالرجل في ماله سواء ". وقال الأوزاعي: " لا تجوز عطية المرأة حتى تلد وتكون في بيت زوجها سنة ". وقال الليث:
" لا يجوز عتق المرأة ذات الزوج ولا صدقتها إلا في الشئ اليسير الذي لا بد لها منه لصلة رحم أو غيره ذلك مما يتقرب به إلى الله تعالى ".
قال أبو بكر: الآية قاضية بفساد هذه الأقوال شاهدة بصحة قول أصحابنا الذي قدمنا، لقوله عز وجل: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) ولم يفرق فيه بين البكر والثيب ولا بين من أقامت في بيت زوجها سنة أو لم تقم، وغير جائز الفرق بين البكر والثيب في ذلك إلا بدلالة تدل على خصوص حكم الآية في الثيب دون البكر، وأجاز مالك هبة الأب والله تعالى أمرنا بإعطائها جميع الصداق إلا أن تهب هي شيئا منه له، فالآية قاضية ببطلان هبة الأب لأنه مأمور بإيتاء جميع الصداق إلا أن تطيب نفسها بتركه، ولم يشرط الله تعالى طيبة نفس، الأب فمنع ما أباحه الله له بطيبة نفسها من مهرها وأجاز ما حظره الله تعالى من منع شئ من مهرها إلا بطيبة نفسها بهبة الأب. وهذا اعتراض على الآية من وجهين بغير دلالة، أحدهما: منعها الهبة مع اقتضاء ظاهر الآية لجوازها، والثاني: جواز هبة الأب مع أمر الله الزوج بإعطائها الجميع إلا أن تطيب نفسا بتركه. ويدل على ذلك قوله تعالى: (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به) [البقرة: 229]، فمنع أن يأخذ منها شيئا مما أعطاها إلا برضاها بالفدية، فقد شرط رضا المرأة ولم يفرق مع ذلك بين البكر والثيب. ويدل عليه حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء: " تصدقن ولو من حليكن "، وفي حديث ابن عباس: