أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٣٨
فإن قيل: هلا قطعته بعموم قوله: (السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) قبل السرقة! قيل له: السرقة الثانية لم يتناولها العموم لأنها توجب قطع الرجل لو وجب القطع، والذي في الآية قطع اليد. وأيضا فإن وجوب قطع السرقة متعلق بالفعل والعين جميعا، والدليل عليه أنه متى سقط القطع وجب ضمان العين، كما أن حد الزنا لما تعلق بالوطء كان سقوط الحد موجبا ضمان الوطء، ولما تعلق وجوب القصاص بقتل النفس كان سقوط القود موجبا ضمان النفس، فكذلك وجوب ضمان العين في السرقة عند سقوط القطع يوجب اعتبار العين في ذلك. فلما كان فعل واحد في عينين لا يوجب إلا قطعا واحدا، كان كذلك حكم الفعلين في عين واحدة ينبغي أن لا يوجب إلا قطعا واحدا، إذا كان لكل واحد من العينين - أعني الفعل والعين - تأثير في إيجاب القطع.
فإن قيل: فلو زنى بامرأة فحد ثم زنى بها مرة أخرى حد ثانيا مع وقوع الفعلين في عين واحدة. قيل له: لأنه لا تأثير لعين المرأة في تعلق وجوب الحد بها، وإنما يتعلق وجوب حد الزنا بالوطء لا غير، والدليل على ذلك أنه متى سقط الحد ضمن الوطء ولم يضمن عين المرأة، وفي السرقة متى سقط القطع ضمن عين السرقة. وأيضا فلما صارت السرقة في يده بعد القطع في حكم المباح التافه، بدلالة أن استهلاكها لا يوجب عليه ضمانها، وجب أن لا يقطع فيها بعد ذلك كما لا يقطع في سائر المباحات التافهة في الأصل وإن حصلت ملكا للناس كالطين والخشب والحشيش والماء، ومن أجل ذلك قالوا: إنه لو كان غزلا فنسجه ثوبا بعد ما قطع فيه ثم سرقه مرة أخرى قطع، لأن حدوث هذا الفعل فيه يرفع حكم الإباحة المانعة كانت من وجوب القطع، كما لو سرق خشبا لم يقطع فيه، ولو كان بابا منجورا فسرق قطع لخروجه بالصنعة عن الحال الأولى. وأيضا لما كان وقوع القطع فيه يوجب البراءة من استهلاكه قام القطع فيه مقام دفع قيمته، فصار كأنه عوضه منه، وأشبه من هذا الوجه وقوع الملك له في المسروق، لأن استحقاق البدل عليه يوجب له الملك، فلما أشبه ملكه من هذا الوجه سقط القطع لأنه يسقط بالشبهة أن يشبه المباح من وجه ويشبه الملك من وجه.
باب السارق يوجد قبل اخراج السرقة قال أبو بكر رحمه الله: اتفق فقهاء الأمصار على أن القطع غير واجب إلا أن يفرق بين المتاع وبين حرزه، والدار كلها حرز واحد، فكما لم يخرجه من الدار لم يجب القطع، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عمر، وهو قول إبراهيم. وروى يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال: بلغ عائشة أنهم كانوا يقولون: إذا لم
(٥٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 533 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 ... » »»