عباس يقول: " أيعجز من رأى هؤلاء أن يقطع كما قطع هذا الأعرابي؟ - يعني نحوه - فلقد قطع فما أخطأ، يقطع الرجل ويذر عقبها ". وروي مثله عن عطاء وأبي جعفر من قولهما.
وعن عمر رضي الله عنه في آخرين: " يقطع الرجل من المفصل " وهو قول فقهاء الأمصار. والنظر يدل على هذا القول لاتفاقهم على قطع اليد من المفصل الظاهر وهو الذي يلي الزند، وكذلك الواجب قطع الرجل من المفصل الظاهر الذي يلي الكعب الناتئ. وأيضا لما اتفقوا على أنه لا يترك له من اليد ما ينتفع به للبطش ولم يقطع من أصول الأصابع حتى يبقى له الكف، كذلك ينبغي أن لا يترك له من الرجل العقب فيمشي عليه، لأن الله تعالى إنما أوجب قطع اليد ليمنعه الأخذ والبطش بها، وأمر بقطع الرجل ليمنعه المشي بها، فغير جائز ترك العقب للمشي عليه. ومن قطع من المفصل الذي هو على ظهر القدم فإنه ذهب في ذلك أن هذا المفصل من الرجل بمنزلة مفصل الزند من اليد، لأنه ليس بين مفصل ظهر القدم وبين مفصل أصابع الرجل مفصل غيره، كما أنه ليس بين مفصل الزند ومفصل أصابع اليد مفصل غيره، فلما وجب في اليد قطع أقرب المفاصل إلى مفصل الأصابع كذلك وجب أن يقطع في الرجل من أقرب المفاصل إلى مفصل الأصابع. والقول الأول أظهر، لأن مفصل ظهر القدم غير ظاهر كظهور مفصل الكعب من الرجل ومفصل الزند من اليد، فلما وجب قطع مفصل اليد ظاهر منه كذلك يجب أن يكون في الرجل، ولما استوعبت اليد بالقطع وجب استيعاب الرجل أيضا، والرجل كلها إلى مفصل الكعب بمنزلة الكف إلى مفصل الزند. وأما القطع من أصول أصابع الرجل فإنه لم يثبت عن علي من جهة صحيحة، وهو قول شاذ خارج عن الاتفاق والنظر جميعا.
واختلف في قطع اليد اليسرى والرجل اليمنى، فقال أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب، حين رجع إلى قول علي لما استشاره، وابن عباس: " إذا سرق قطعت يده اليمنى، فإن سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى، فإن سرق لم يقطع وحبس "، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف وزفر ومحمد. وروي عن عمر: " أنه تقطع يده اليسرى بعد الرجل اليمنى، فإن سرق قطعت رجله اليمنى، فإن سرق حبس حتى يحدث توبة "، وعن أبي بكر مثل ذلك. إلا أن عمر قد روي عنه الرجوع إلى قول علي كرم الله وجهه. وقال مالك والشافعي: " تقطع اليد اليسرى بعد الرجل اليسرى والرجل اليمنى بعد ذلك، ولا يقتل إن سرق بعد ذلك ". وروي عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز أنهم قتلوا سارقا بعد ما قطعت أطرافه. وروى سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر أراد أن يقطع الرجل بعد اليد والرجل، فقال له