أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٣٩
يخرج بالمتاع لم يقطع، فقالت عائشة: " لو لم أجد إلا سكينا لقطعته ". وروى سعيد عن قتادة عن الحسن قال: " إذا وجد في بيت فعليه القطع ". قال أبو بكر: دخوله البيت لا يستحق به اسم السارق، فلا يجوز إيجاب القطع به، وأخذه في الحرز أيضا لا يوجب القطع، لأنه باق في الحرز، ومتى لم يخرجه من الحرز فهو بمنزلة من لم يأخذه فلا يجب عليه القطع، ولو جاز إيجاب القطع في مثله لما كان لاعتبار الحرز معنى، والله أعلم.
باب غرم السارق بعد القطع قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري وابن شبرمة: " إذا قطع السارق فإن كانت السرقة قائمة بعينها أخذها المسروق منه، وإن كانت مستهلكة فلا ضمان عليه "، وهو قول مكحول وعطاء والشعبي وابن شبرمة وأحد قولي إبراهيم النخعي. وقال مالك: " يضمنها إن كان موسرا ولا شئ عليه إن كان معسرا ". وقال عثمان البتي والليث والشافعي: " يعزم السرقة وإن كانت هالكة "، وهو قول الحسن والزهري وحماد وأحد قولي إبراهيم. قال أبو بكر: أما إذا كانت قائمة بعينها فلا خلاف أن صاحبها يأخذها، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: " قطع سارق رداء صفوان ورد الرداء على صفوان ". والذي يدل على نفي الضمان بعد القطع قوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) والجزاء اسم لما يستحق بالفعل، فإذا كان الله تعالى جعل جميع ما يستحق بالفعل هو القطع، لم يجز إيجاب الضمان معه لما فيه من الزيادة في حكم المنصوص، ولا يجوز ذلك إلا بمثل ما يجوز به النسخ، وكذلك قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله)، فأخبر أن جميع الجزاء هو المذكور في الآية، لأن قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) ينفي أن يكون هناك جزاء غيره. ومن جهة السنة حديث عبد الله بن صالح قال: حدثني المفضل بن فضالة عن يونس بن يزيد قال: سمعت سعد بن إبراهيم يحدث عن أخيه المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقمتم على السارق الحد فلا غرم عليه ". وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا محمد بن نصر بن صهيب قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شجاع الآدمي قال: حدثني خالد بن خداش قال: حدثني إسحاق بن الفرات قال: حدثنا المفضل بن فضالة عن يونس عن الزهري عن سعد بن إبراهيم عن المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق، فأمر بقطعه وقال: " لا غرم عليه ". وقال عبد الباقي: هذا هو الصحيح، وأخطأ فيه خالد بن خداش، فقال المسور بن مخرمة.
ويدل عليه من جهة النظر امتناع وجوب الحد والمال بفعل واحد، كما لا يجتمع
(٥٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 534 535 536 537 538 539 540 541 542 543 544 ... » »»