أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٣٦
أقر بالزنا مرة واحدة ثم مات أو قامت عليه بينة بالزنا فمات قبل أن يحد لم يجب عليه المهر في ماله، ولو مات بعد إقراره بالسرقة مرة واحدة لكانت السرقة مضمونة عليه باتفاق منهم جميعا، فقد حصل من قولهم جميعا إيجاب الضمان بالإقرار مرة واحدة وسقوط المهر مع الإقرار بالزنا من غير حد.
واحتج الآخرون بما روى الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن علي، أن رجلا أقر عنده بسرقة مرتين فقال: " قد شهدت على نفسك بشهادتين " فأمر به فقطع وعلقها في عنقه. ولا دلالة في هذا الحديث على أن مذهب علي رضي الله عنه أنه لا يقطع إلا بالإقرار مرتين، إنما قال: " شهدت على نفسك بشهادتين " ولم يقل: لو شهدت بشهادة واحدة لما قطعت. وليس فيه أيضا أنه لم يقطعه حتى أقر مرتين.
ومما يحتج به لأبي يوسف من طريق النظر، أن هذا لما كان حدا يسقط بالشبهة وجب أن يعتبر عدد الإقرار فيه بالشهادة، فلما كان أقل من يقبل فيه شهادة شاهدين وجب أن يكون أقل ما يصح به إقراره مرتين، كالزنا اعتبر عدد الإقرار فيه بعدد الشهود، وهذا يلزم أبا يوسف أن يعتبر عدد الإقرار في شرب الخمر بعدد الشهود، وقد سمعت أبا الحسن الكرخي يقول: إنه وجد عن أبي يوسف في شرب الخمر أنه لا يحد حتى يقر مرتين كعدد الشهود، ولا يلزم عليه حد القذف، لأن المطالبة به حق لآدمي، وليس كذلك سائر الحدود. وهذا الضرب من القياس مدفوع عندنا، فإن المقادير لا تؤخذ من طريق المقاييس فيما كان هذا صفته، وإنما طريقها التوقيف والاتفاق.
باب السرقة من ذوي الأرحام قال أبو بكر: قوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) عموم في إيجاب قطع كل سارق إلا ما خصه الدليل، على النحو الذي قدمنا، وعلى ما حكينا عن أبي الحسن، ليس بعموم وهو مجمل محتاج فيه إلى دلالة من غيره في إثبات حكمه. ومن جهة أخرى على أصله أن ما ثبت خصوصه بالاتفاق لا يصح الاحتجاج بعمومه، وقد بيناه في أصول الفقه، وهو مذهب محمد بن شجاع. إلا أنه وإن كان عموما عندنا لو خلينا ومقتضاه، فقد قامت دلالة خصوصه في ذوي الرحم المحرم. وقد اختلف الفقهاء فيه.
ذكر الاختلاف في ذلك قال أصحابنا: " لا يقطع من سرق من ذي الرحم " وهو الذي لو كان أحدهما رجلا والآخر امرأة لم يجز له أن يتزوجها من أجل الرحم الذي بينهما. ولا تقطع أيضا عندهم
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»