أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٣٠
يا رسول الله إنما سرق! قال: " اقطعوه! " ثم أتي به الخامسة، فقال: " اقتلوه! " قال جابر:
فانطلقنا به فقتلناه. ورواه أبو معشر عن مصعب بن ثابت بإسناد مثله، وزاد: خرجنا به إلى مربد النعم، فحملنا عليه النعم، فأشار بيده ورجليه فنفرت الإبل عنه، فلقيناه بالحجارة حتى قتلناه. ورواه يزيد بن سنان حدثني هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطع يده، ثم أتي به قد سرق فقطع رجله، ثم أتي به قد سرق فأمر بقتله "، ورواه حماد بن سلمة عن يوسف بن سعد عن الحارث بن حاطب: أن رجلا سرق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقتلوه! " فقال القوم: إنما سرق! فقال: " اقطعوه! " فقطعوه، ثم سرق على عهد أبي بكر الصديق فقطعه، ثم سرق فقطعه، حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق الخامسة فقال أبو بكر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم به حين أمر بقتله، فأمر به فقتل. والذي ذكرناه من حديث مصعب بن ثابت هو أصل الحديث الذي رواه حماد بن أبي حميد، وفيه الأمر بقتله بديا، ومعلوم أن السرقة لا يستحق بها القتل، فثبت أن قطع هذه الأعضاء لم يكن على وجه الحد المستحق بالسرقة وإنما كان على جهة تغليظ العقوبة والمثلة، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة العرنيين أنه قطع أيديهم وأرجلهم وسملهم، وليس السمل حدا في قطاع الطريق، فلما نسخت المثلة نسخ بها هذا الضرب من العقوبة، فوجب الاقتصار على اليد والرجل لا غير. ويدل على أن قطع الأربع كان على وجه المثلة لا على جهة الحد أن في حديث جابر أنهم حملوا عليه النعم ثم قتلوه بالحجارة، وذلك لا يكون حدا في السرقة بوجه.
باب مالا يقطع فيه قال أبو بكر: عموم قوله: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) يوجب قطع كل من تناول الاسم في سائر الأشياء، لأنه عموم في هذا الوجه وإن كان مجملا في المقدار، إلا أنه قد قامت الدلالة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وقول السلف واتفاق فقهاء الأمصار على أنه لم يرد به العموم، وأن كثيرا مما يسمى آخذه سارقا لا قطع فيه. واختلف الفقهاء في أشياء منه.
ذكر الاختلاف في ذلك قال أبو حنيفة ومحمد: " لا قطع في كل ما يسرع إليه الفساد، نحو الرطب والعنب والفواكه الرطبة واللحم والطعام الذي لا يبقى ولا في الثمر المعلق والحنطة في سنبلها، سواء كان لها حافظ أو لم يكن. ولا قطع في شئ من الخشب إلا الساج والقنا. ولا قطع في الطين والنورة والجص والزرنيخ ونحوه. ولا قطع في شئ من الطير. ويقطع في
(٥٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 525 526 527 528 529 530 531 532 533 534 535 ... » »»