أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٥٢٢
ورفعه، فقال له عبد الرحمن بن القاسم: إنها كانت لا ترفعه، فترك يحيى رفعه. فهذا يدل على أن من رواه مرفوعا فإنما سمعه من يحيى قبل تركه الرفع.
مطلب: خبر الحضر أولى من خبر الإباحة ثم لو ثبت هذا الحديث لعارضه ما قدمناه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه مختلفة في نفي القطع عن سارق ما دون العشرة، وكان يكون حينئذ خبرنا أولى لما فيه من حظر القطع عما دونها وخبرهم مبيح له، وخبر الحضر أولى من خبر الإباحة. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لعن الله السارق يسرق الحبل فيقطع فيه، ويسرق البيضة فيقطع فيها "، فربما ظن بعض من لا روية له أنه يدل على أن ما دون العشرة يقطع فيه لذكر البيضة والحبل وهما في العادة أقل قيمة من عشرة دراهم، وليس ذلك على ما يظنه، لأن المراد بيضة الحديد، وقد روي عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في بيضة من حديد قيمتها أحد وعشرون درهما، ولأنه لا خلاف بين الفقهاء أن سارق بيضة الدجاج لا قطع عليه، وأما الحبل فقد يكون مما يساوي العشرة والعشرين وأكثر من ذلك.
فصل مطلب: في معنى قوله عليه السلام: " لا قطع على خائن " وأما اعتبار الحرز فالأصل فيها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا قطع على خائن " رواه ابن عباس وجابر. وهو يشتمل على نفي القطع في جميع ما ائتمن الانسان فيه، فمنها أن الرجل إذا ائتمن غيره على دخول بيته ولم يحرز منه ماله لم يجب عليه القطع إذا خانه لعموم لفظ الخبر، ويصير حينئذ بمنزلة المودع والمضارب، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
" لا قطع على خائن " وجوب القطع على جاحد الوديعة والمضاربة وسائر الأمانات، ويدل أيضا على نفي القطع عن المستعير إذا جحد العارية.
مطلب: في تأويل ما ورد عنه عليه السلام من أنه قطع يد المرأة التي كانت تستعير المتاع وتجحده وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قطع المرأة التي كانت تستعير المتاع وتجحده فلا دلالة فيه على وجوب القطع على المستعير إذا خان، إذ ليس فيه أنه قطعها لأجل جحودها للعارية، وإنما ذكر جحود العارية تعريفا لها إذ كان ذلك معتادا منها حتى عرفت به، فذكر ذلك على وجه التعريف. وهذا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للرجلين أحدهما
(٥٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 517 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 ... » »»