عمر: السنة اليد. وروى عبد الرحمن بن يزيد عن جابر عن مكحول أن عمر قال: " لا تقطعوا يده بعد اليد والرجل ولكن احبسوه عن المسلمين ". وقال الزهري: انتهى أبو بكر إلى اليد والرجل. وروى أبو خالد الأحمر عن حجاج عن سماك عن بعض أصحابه: أن عمر استشارهم في السارق فأجمعوا على أنه تقطع يده اليمنى فإن عاد فرجله اليسرى ثم لا يقطع أكثر من ذلك، وهذا يقتضي أن يكون ذلك إجماعا لا يسع خلافه، لأن الذين يستشيرهم عمر هم الذين ينعقد بهم الاجماع. وقد روى سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن أبا بكر الصديق قطع اليد بعد قطع اليد والرجل، في قصة الأسود الذي نزل بأبي بكر ثم سرق حلي أسماء، وهو مرسل وأصله حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن رجلا خدم أبا بكر فبعثه مع مصدق وأوصاه به، فلبث قريبا من شهر ثم جاءه وقد قطعه المصدق، فلما رآه أبو بكر قال له: مالك؟ قال: وجدني خنت فريضة فقطع يدي، فقال أبو بكر: إني لأراه يخون أكثر من ثلاثين فريضة، والذي نفسي بيده لئن كنت صادقا لأقيدنك منه! ثم سرق حلي أسماء بنت عميس فقطعه أبو بكر. فأخبرت عائشة أن أبا بكر قطعه بعد قطع المصدق يده، وذلك لا يكون إلا قطع الرجل اليسرى.
وهو حديث صحيح لا يعارض بحديث القاسم، ولو تعارضا لسقطا جميعا، ولم يثبت بهذا الحديث عن أبي بكر شئ، ويبقى لنا الأخبار الأخر التي ذكرناها عن أبي بكر والاقتصار على الرجل اليسرى.
فإن قيل: روى خالد الحذاء عن محمد بن حاطب أن أبا بكر قطع يدا بعد يد ورجل. قيل له: لم يقل في السرقة، ويجوز أن يكون في قصاص، وقد روي عن عمر بن الخطاب مثل ذلك، وتأويله ما ذكرناه فحصل من اتفاق السلف وجوب الاقتصار على اليد والرجل، وما روي عنهم من مخالفة ذلك فإنما هو على وجهين: إما أن يكون الحكاية في قطع اليد بعد الرجل أو قطع الأربع من غير ذكر السرقة فلا دلالة فيه على القطع في السرقة، أو يكون مرجوعا عنه كما روي عن عمر ثم روي عنه الرجوع عنه.
وقد روي عن عثمان أنه ضرب عنق رجل بعد ما قطع أربعته، وليس فيه دلالة على قول المخالف، لأنه لم يذكر أنه قطعه في السرقة، ويجوز أن يكون قطعه من قصاص. ويدل على صحة قول أصحابنا قوله تعالى: (فاقطعوا أيديهما) وقد بينا أن المراد أيمانهما، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود وابن عباس والحسن وإبراهيم. وإذا كان الذي تتناوله الآية يدا واحدة لم تجز الزيادة عليها إلا من جهة التوقيف أو الاتفاق، وقد ثبت الاتفاق في الرجل اليسرى واختلفوا بعد ذلك في اليد اليسرى، فلم يجز قطعها مع عدم الاتفاق والتوقيف، إذ غير جائز إثبات الحدود إلا من أحد هذين الوجهين. ودليل آخر، وهو