عنهم على وجه المدح لهم والرضا بقولهم لنفعل مثل فعلهم ونستحق من المدح كاستحقاقهم.
وإن قوله تعالى: (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة). قال قتادة والربيع بن أنس وابن جريج: " ثواب الدنيا الذي أوتوه هو النصر على عدوهم حتى قهروهم وظفروا بهم، وثواب الآخرة الجنة ". وهذا دليل على أنه يجوز اجتماع الدنيا والآخرة لواحد، روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: " من عمل لدنياه أضر بآخرته، ومن عمل لآخرته أضر بدنياه، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام ".
قوله تعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا)، فيه دليل على بطلان التقليد، لأن الله تعالى حكم ببطلان قولهم إذ لم يكن معهم برهان عليه. والسلطان ههنا هو البرهان، ويقال إن أصل السلطان القوة، فسلطان الملك قوته. والسلطان الحجة لقوتها على قمع الباطل وقهر المبطل بها، والتسليط على الشئ التقوية عليه مع الإغراء به، وفيه الدلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر به من إلقاء الرعب في قلوب المشركين فكان كما أخبر به، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " نصرت بالرعب حتى إن العدو ليرعب مني وهو على مسيرة شهر ".
قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه)، فيه إخبار بتقدم وعد الله تعالى: (لهم بالنصر على عدوهم ما لم يتنازعوا ويختلفوا، فكان كما أخبر به يوم أحد ظهروا على عدوهم وهزموهم وقتلوا منهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرماة بالمقام في موضع وأن لا يبرحوا، فعصوا وخلوا مواضعهم حين رأوا هزيمة المشركين وظنوا أنه لم يبق لهم باقية واختلفوا وتنازعوا، فحمل عليهم خالد بن الوليد من ورائهم فقتلوا من المسلمين من قتلوا بتركهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصيانهم. وفي ذلك دليل على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنهم وجدوا موعود الله كما وعد قبل العصيان، فلما عصوا وكلوا إلى أنفسهم. وفيه دليل على أن النصر من الله في جهاد العدو مضمون باتباع أمره والاجتهاد في طاعته، وعلى هذا جرت عادة الله تعالى للمسلمين في نصرهم على أعدائهم. وقد كان المسلمون من الصدر الأول إنما يقاتلون المشركين بالدين ويرجون النصر عليهم وغلبتهم به لا بكثرة العدد، ولذلك قال الله تعالى: (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا). فأخبر أن هزيمتهم إنما كانت لتركهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإخلال بمراكزهم التي رتبوا فيها.
وقال تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة). وإنما أتوا من قبل من كان يريد الدنيا منهم، قال عبد الله بن مسعود: ما ظننت أن أحدا ممن قاتل مع