(ولتكن منكم أمة) مجازا، كقوله تعالى: (يغفر لكم من ذنوبكم) [الأحقاف: 31] ومعناه: " ذنوبكم ". والذي يدل على صحة هذا القول إنه إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، كالجهاد وغسل الموتى وتكفينهم والصلاة عليهم ودفنهم، ولولا أنه فرض على الكفاية لما سقط عن الآخرين بقيام بعضهم به. وقد ذكر الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مواضع أخر من كتابه، فقال عز وجل: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) [آل عمران: 110]، وقال فيما حكى عن لقمان:
(يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) [لقمان: 17]، وقال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله) [الحجرات: 9]، وقال عز وجل: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) [المائدة: 78، 79]. فهذه الآي ونظائرها مقتضية لإيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي على منازل: أولها تغييره باليد إذا أمكن، فإن لم يمكن وكان في نفيه خائفا على نفسه إذا أنكره بيده فعليه إنكاره بلسانه، فإن تعذر ذلك لما وصفنا فعليه إنكاره بقلبه، كما حدثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس قال:
حدثنا يونس بن حبيب قال: حدثنا أبو داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة قال: أخبرني قيس بن مسلم قال: سمعت طارق بن شهاب قال: قدم مروان الخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال: خالفت السنة، كانت الخطبة بعد الصلاة، قال: ترك ذلك يا أبو فلان - قال شعبة: وكان لحانا - فقام أبو سعيد الخدري فقال: من هذا المتكلم؟ فقد قضى ما عليه، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فلينكره بيده فإن لم يستطع فلينكره بلسانه فإن لم يستطع فلينكره بقلبه وذاك أضعف الإيمان ". وحدثنا محمد بن بكر البصري قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد، وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان ". فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إنكار المنكر على هذه الوجوه الثلاثة على حسب الإمكان، ودل على أنه إذا لم يستطع تغييره بديه فعليه تغييره بلسانه، ثم إذا لم يمكنه ذلك فليس عليه أكثر من إنكاره بقلبه. وحدثنا عبد الله بن جعفر قال: حدثنا يونس بن حبيب قال:
حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق الذي عن عبد الله بن جرير البجلي عن أبيه،