الناس)، قال ابن عباس: (في السراء والضراء) في العسر واليسر، يعني في حال قلته وكثرته. وقيل: في حال السرور والغم لا يقطعه شئ من ذلك عن إنفاقه في وجوه البر، فمدح المنفقين في هاتين الحالتين ثم عطف عليه الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، فمدح من كظم غيظه وعفا عمن اجترم إليه. وقال عمر بن الخطاب: " من خاف الله لم يشف غيظه ومن اتقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون ". وكظم الغيظ والعفو مندوب إليهما موعود بالثواب عليهما من الله تعالى.
قوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا)، فيه حض على الجهاد من حيث لا يموت أحد فيه إلا بإذن الله تعالى، وفيه التسلية عما يلحق النفس بموت النبي صلى الله عليه وسلم لأنه بإذن الله تعالى، لأنه قد تقدم ذكر موت النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) الآية.
وقوله تعالى: (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها)، قيل فيه: " من عمل للدنيا وفر حظه المقسوم له فيها من غير أن يكون له حظ في الآخرة "، روي ذلك عن ابن إسحاق.
وقيل إن معناه: " من أراد بجهاده ثواب الدنيا لم يحرم حظه من الغنيمة ". وقيل: " من تقرب إلى الله بعمل النوافل وليس هو ممن يستحق الجنة بكفره أو بما يحبط عمله جوزي بها في الدنيا من غير أن يكون له حظ في الآخرة "، وهو نظير قوله تعالى: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا)) [الاسراء: 18].
قوله تعالى: (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير). قال ابن عباس والحسن:
" علماء وفقهاء "، وقال مجاهد وقتادة: " جموع كثيرة ".
وقوله تعالى: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا)، فإنه قيل في الوهن بأنه انكسار الجسد ونحوه، والضعف نقصان القوة. وقيل في الاستكانة إنها إظهار الضعف، وقيل فيه إنه الخضوع، فبين تعالى أنهم لم يهنوا بالخوف ولا ضعفوا لنقصان القوة ولا استكانوا بالخضوع، وقال ابن إسحاق: " فما وهنوا بقتل نبيهم ولا ضعفوا عن عدوهم ولا استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن دينهم ". وفي هذه الآية الترغيب في الجهاد في سبيل الله والحض على سلوك طريق العلماء من صحابة الأنبياء والأمر بالاقتداء بهم في الصبر على الجهاد.
وقوله تعالى: (وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا) الآية. فيه حكاية دعاء الربيين من أتباع الأنبياء المتقدمين وتعليم لنا لأن نقول مثل قولهم عند حضور القتال، فينبغي للمسلمين أن يدعوا بمثله عند معاينة العدو، لأن الله تعالى حكى ذلك