أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٦٨
ولو مست امرأة امرأة لم يكن حدثا كذلك مس الرجل إياها وكذلك مس الرجل الرجل ليس بحدث فكذلك مس المرأة. ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين: أحدهما أنا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها الرجال والنساء، فكل ما كان حدثا من الرجل فهو من المرأة حدث، وكذلك ما كان حدثا من المرأة فهو حدث من الرجل، فمن فرق بين الرجل والمرأة فقوله خارج عن الأصول. ومن جهة أخرى أن العلة في مس المرأة المرأة والرجل الرجل أنه مباشرة من غير جماع فلم يكن حدثا، كذلك الرجل والمرأة. فإن قيل: قد أوجب أبو حنيفة الوضوء على من باشر امرأته وانتشرت آلته وليس بينهما ثوب، ولا فرق بين مسها بيده وبين مسها ببدنه. قيل له: لم يوجب أبو حنيفة ههنا الوضوء بالمباشرة وإنما أوجبه إذ التقى الفرجان من غير إيلاج، كذلك رواه محمد عنه، وذلك لأن الانسان لا يكاد يبلغ هذه الحال إلا ويخرج منه شئ وإن لم يشعر به، فلما كان الغالب في هذه الحال خروج شئ منه وإن لم يشعر به أوجب الوضوء له احتياطا فحكم له بحكم الحدث، كما أنه لما كان الغالب من حال النوم وجود الحدث فيه حكم له بحكم الحدث، فليس إذا في ذلك إيجاب الوضوء من اللمس، والله أعلم بالصواب.
باب وجوب التيمم عند عدم الماء قال الله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) قال أبو بكر: شرط الوجود مختلف فيه، والجملة التي اتفق أصحابنا عليها أن الوجود إمكان استعمال الماء الذي يكفيه لطهارته من غير ضرر، فلو كان معه ماء وهو يخاف العطش أو لم يجده إلا بثمن كثير تيمم، وليس عليه أن يغالي فيه إلا أن يجده بثمن كما يباع بغير ضرورة فيشتريه، وإن كان أكثر من ذلك فلا يشتريه. وجعل أصحابنا جميعا شرط الوجود أن يكفيه لجميع طهارته، وأما العلم بكونه في رحله فمختلف فيه أنه من شرط الوجود، وسنذكره إن شاء الله. واختلف أيضا في وجوب الطلب وهل يكون غير واجد قبل الطلب، وإنما قلنا إنه إذا خاف العطش باستعماله للطهارة فهو غير واجد للماء المفروض به الطهارة لأنه متى خاف الضرر في استعماله كان معذورا في تركه إلى التيمم كالمريض، قال الله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) فنفى الحرج عنا، وهو الضيق، وفي الأمر باستعمال الماء الذي يخاف فيه العطش أعظم الضيق، وقد نفاه الله تعالى نفيا مطلقا، وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) [البقرة: 185] ومن العسر استعمال الماء الذي يؤديه إلى الضرر وتلف النفس، ألا ترى أنه لو اضطر إلى شرب الماء وحضرته الصلاة ولا ماء معه غيره أنه مأمور بشربه وترك استعماله للطهارة، فكذلك إذا خاف العطش في المستأنف باستعماله؟ وروي نحو هذا القول فيمن خاف
(٤٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 ... » »»