مفتقرة إلى تضمينها بغيرها، وما كان هذا وصفه من الكلام ففي تضمينه بغيره تخصيص له، وذلك غير جائز إلا بدلالة، فوجب أن يكون شرط المجئ من الغائط في إباحة التيمم مقرا على بابه وأن لا يضمن بغيره. وأيضا فإن حكم كل جواب علق بشرط أن يرجع إلى ما يليه ولا يرجع إلى ما تقدم إلا بدلالة، والذي يلي ذلك هو شرط المجئ من الغائط. وأيضا كما جاز الوضوء قبل الوقت وجب أن يجوز التيمم كذلك، لأنه طهارة لم يوجد بعدها حدث.
فإن قيل: المستحاضة لا تصلي بوضوء فعلته قبل الوقت. قيل له: يجوز ذلك عندنا، لأنها لو توضأت قبل الزوال كان لها أن تصلي به إلى خروج وقت الظهر، وأما إذا توضأت في وقت الظهر فإنها لا تصلي به في وقت العصر للسيلان الموجود بعد الطهارة والوقت كان رخصة لها في فعل الصلاة مع الحدث، فلما ارتفعت الرخصة بخروجه وجب الوضوء للحدث المتقدم.
واختلف في فعل صلاتي فرض بتيمم واحد، فقال: " يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو يجد الماء " وهو مذهب الثوري والحسن بن صالح والليث بن سعد، وهو مذهب إبراهيم وحماد والحسن. وقال مالك: " لا يصلي صلاتي فرض بتيمم واحد، ولا يصلي الفرض بتيمم النافلة، ويصلي النافلة بعد الفرض بتيمم الفرض ". وقال شريك بن عبد الله: " يتيمم لكل صلاة ". وقال الشافعي: " يتيمم لكل صلاة فرض ويصلي الفرض والنفل وصلاة الجنازة بتيمم واحد ". والدليل على صحة قولنا قوله صلى الله عليه وسلم: " التراب كافيك ولو إلى عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسسه جلدك " وقال: " التراب طهور المسلم ما لم يجد الماء " فجعل التراب طهورا ما لم يجد الماء ولم يوقته بفعل الصلاة.
وقوله: " ولو إلى عشر حجج " على وجه التأكيد، وليس المراد حقيقة الوقت، وهو كقوله تعالى: (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) [التوبة: 80] ليس المراد به توقيت العدد المذكور، وإنما المراد تأكيد نفي الغفران.
فإن قيل: لم يذكر الحدث وهو ينقض التيمم، كذلك فعل الصلاة. قيل له: لأن بطلانه بالحدث كان معلوما عند المخاطبين فلم يحتج إلى ذكره، وإنما ذكر ما لم يكن معلوما عندهم وأكده ببقائه إلى وجود الماء. وأيضا فإن المعنى المبيح للصلاة بالتيمم بديا كان عدم الماء وهو قائم بعد فعل الصلاة، فينبغي أن يبقى تيممه، ولا فرق فيه بين الابتداء والبقاء، إذ كان المعنى فيهما واحدا وهو عدم الماء. وأيضا لما كان المسح على الخفين بدلا من الغسل كما أن التيمم بدل منه، ثم جاز عند الجميع فعل صلاتين بمسح واحد، جاز فعلهما أيضا بتيمم واحد. وأيضا فلا يخلو المتيمم بعد فعل صلاته من أن