جمع وغيره، وأنت متى أوجبت الترتيب فيما لا يقتضي المراد ترتيبه فلم تتبع قرآنه، وترتيب اللفظ لا يوجب ترتيب الفعل.
فإن قيل: إذا كان القرآن اسما للتأليف والحكم جميعا فواجب علينا اتباعه في الأمرين. قيل له: القرآن اسم للمتلو حكما كان أو خبرا، فعلينا اتباعه في تلاوته، فأما مراد ترتيب الفعل على ترتيب اللفظ فإن المرجع فيه إلى مقتضى اللغة وليس في اللغة إيجاب ترتيب الفعل على ترتيب اللفظ في المأمور به، ألا ترى أن كثيرا من القرآن قد نزل بأحكام ثم نزلت بعده أحكام أخر ولم يوجب تقديم تلاوته تقديم فعله على ما نزل بعده؟
وقد علمنا أنه غير جائز تغيير نظم القرآن والسور والآي عما هي عليه، وليس يوجب ذلك ترتيب الأحكام المذكورة فيها حسب ترتيب التلاوة، فبان بذلك سقوط هذا السؤال.
فإن قيل: قد أثبت الترتيب بالواو في قول الرجل لامرأته: " أنت طالق وطالق وطالق " قبل الدخول بها، فأثبتها بالأولى ولم توقع الثانية والثالثة، فجعلت " الواو " مرتبة بحكم اللفظ، فكذلك قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) يلزمك إيجاب الترتيب في غسل هذه الأعضاء حسب ما في نظام التلاوة من الترتيب. قيل له: لم نوقع الأولى قبل الثانية في مسألة الطلاق لما ذكرت من كون " الواو " مقتضية للترتيب، وإنما أوقعنا الأولى قبل الثانية لأنه أوقعها غير معلقة بشرط ولا مضافة إلى وقت، وحكم الطلاق إذا حصل هكذا أن يقع غير منتظر به حال أخرى، فلما وقعت الأولى لأنه قد بدأ بها في اللفظ ثم أوقع الثانية صادفتها الثانية وليست هي بزوجة فلم تلحقها، وأما قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) فلم يقع به غسل الوجه قبل اليد ولا اليد قبل المسح، لأن غسل بعض هذه الأعضاء لا يغني ولا يتعلق به حكم إلا بغسل الجميع، فصار غسل الجميع موجبا معا بحكم اللفظ، فلم يقتض اللفظ الترتيب، ألا ترى أنه لو علق الطلاق الأول والثاني والثالث بشرط فقال: " أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار " لم يقع منه شئ إلا بالدخول؟ لأنه شرط في كل واحدة ما شرطه في الأخرى من الدخول، كما شرط في غسل كل واحد من الأعضاء غسل الأعضاء الأخر، ولا يختلف أهل العلم في رجل قال لامرأته: " إن دخلت هذه الدار وهذه الدار فأنت طالق " فدخلت الثانية ثم الأولى أنها تطلق، ولم يكن قوله: " هذه وهذه " موجبا لتقديم الأولى في الشرط الذي علق به وقوع الطلاق.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء فيغسل وجهه ثم يديه ثم يمسح برأسه ثم يغسل رجليه " و " ثم " تقتضي الترتيب بلا خلاف. قيل له: لا يخلو قائل ذلك من أن يكون متكذبا أو جاهلا، وأكثر ظني أن قائله