أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٤٢٤
مطلب: الاخلاص ضد الاشراك وأيضا فإن كل من اعتقد الاسلام فهو مخلص لله تعالى فيما يفعله من العبادات، إذ لم يشرك في النية بين الله وبين غيره، لأن ضد الإخلاص هو الإشراك، فمتى لم يشرك فهو مخلص بنفس اعتقاد الإيمان في جميع ما يفعله من العبادات ما لم يشرك غيره فيه.
واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " الأعمال بالنيات " وهذا لا يصح الاحتجاج به في موضع الخلاف، من قبل أن حقيقة اللفظ تقتضي كون العمل موقوفا على النية والعمل موجود مع فقد النية، فعلمنا أنه لم يرد به حقيقة اللفظ وإنما أراد معنى مضمرا فيه غير مذكور، فالمحتج بعموم الخبر في ذلك مغفل. فإن قيل: مراده حكم العمل. قيل له: الحكم غير مذكور، فالاحتجاج بعمومه ساقط. فإن ترك الاحتجاج بظاهر اللفظ وقال: لما لم يجز أن يخلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم من فائدة، وقد علمنا أنه لم يرد نفس العمل، وجب أن يكون مراده حكم العمل. قيل له: يحتمل أن يريد به فضيلة العمل لا حكمه، وإذا احتمل الأمرين احتيج إلى دلالة من غيره في إثبات المراد وسقط الاحتجاج به. فإن قيل: هو على الأمرين. قيل له: هذا خطأ، لأن الضمير المحتمل للمعنيين غير ملفوظ به فيقال هو عليهما، وإنما يقال ذلك فيما هو ملفوظ به وفيه احتمال للمعاني فيقال عمومه شامل للجميع، فأما ما ليس بمذكور وهو ضمير ليس اللفظ عبارة عنه فقول القائل أحمله على العموم خطأ. وأيضا فغير جائز إرادة الأمرين، لأنه إن أريد به فضيلة العمل صار بمنزلة قوله لا فضيلة للعمل إلا بالنية، وذلك يقتضي إثبات حكم العمل حتى يصح نفي فضيلته لأجل عدم النية، ومتى أراد به حكم العمل لم يجز أن يريد به الفضيلة والأصل منتف، فغير جائز أن يرادا جميعا بلفظ واحد إذ غير جائز أن يكون لفظ واحد لنفي الأصل ونفي الكمال، وأيضا غير جائز أن يزاد في حكم القرآن بخبر الآحاد على ما بينا، وهذا من أخبار الآحاد.
فصل قوله عز وجل: (وجوهكم) قال أبو بكر: قد قيل فيه إن حد الوجه من قصاص الشعر إلى أصل الذقن إلى شحمة الأذن، حكى ذلك أبو الحسن الكرخي عن أبي سعيد البردعي، ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في هذا المعنى. وكذلك يقتضي ظاهر الاسم، إذ كان إنما سمي وجها لظهوره ولأنه يواجه الشئ ويقابل به، وهذا الذي ذكرناه من تحديد الوجه هو الذي يواجه الانسان ويقابله من غيره. فإن قيل: فينبغي أن يكون الأذنان من الوجه لهذا المعنى. قيل له: لا يجب ذلك، لأن الأذنين تستران له بالعمامة والقلنسوة
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»