حقيقته وأن فيه ضميرا به تعلق إيجاب الطهارة وأنه بمنزلة المجمل المفتقر إلى البيان لا يصح الاحتجاج بعمومه إلا فيما قام دليل مراده.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار متواترة في إيجاب الوضوء من النوم، وهذا يدل على أن القيام إلى الصلاة غير موجب للوضوء، لأنه إذا وجب من النوم لم يكن القيام إلى الصلاة بعد ذلك موجبا، ألا ترى أنه إذا وجب من النوم لم يجب عليه بعد ذلك من حدث آخر وضوء آخر إذا لم يكن توضأ من النوم؟ فلو كان القيام إلى الصلاة موجبا للوضوء لما وجب من النوم عند إرادة القيام إليها، كالسببين إذا كان كل واحد منهما موجبا للوضوء ثم وجب من الأول لم يجب من الثاني، وهذا يدل على أن " من النوم " هو الضمير الذي في الآية، فكان تقديره: " إذا قمتم من النوم " على ما روي عن زيد بن أسلم. ويدل على أن النوم الموجب للوضوء هو النوم المعتاد الذي يجوز أن يقال فيه إنه قام من النوم، ومن نام قاعدا أو ساجدا أو راكعا لا يقال إنه قام من النوم وإنما يطلق ذلك في نوم المضطجع، ومن قال إن النوم ليس بحدث وإنما وجب به الطهارة لغلبة الحال في وجود الحدث فيه فإن الآية دالة على وجوب الطهارة من الريح، وإذا كان المعنى على ما وصفنا فيكون حينئذ في مضمون الآية إيجاب الوضوء من النوم ومن الريح، وقد أريد به أيضا إيجاب الوضوء من الغائط والبول وذلك من ضمير الآية، لأنه مذكور في قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط) والغائط هو المطمئن من الأرض، وكانوا يأتونه لقضاء حوائجهم فيه، وذلك يشتمل على وجوب الوضوء من الغائط والبول وسلس البول والمذي ودم الاستحاضة وسائر ما يستتر الانسان عند وجوده عن الناس، لأنهم كانوا يأتون الغائط للاستتار عن الناس وإخفاء ما يكون منهم، وذلك لا يختلف باختلاف الأشياء الخارجة من البدن التي في العادة يسترها عن الناس من سلس البول والمذي ودم الاستحاضة، فدل ذلك على أن هذه الأشياء كلها أحداث يشتمل عليها ضمير الآية.
وقد اتفق السلف وسائر فقهاء الأمصار على نفي إيجاب الوضوء على من نام قاعدا غير مستند إلى شئ، روى عطاء عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى نام الناس ثم استيقظوا، فجاءه عمر فقال: الصلاة يا رسول الله! فخرج وصلى "، ولم يذكر أنهم توضؤوا. وروي عن أنس قال: كنا نجيء إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ننتظر الصلاة فمنا من نعس ومنا من نام ولا نعيد وضوءا. وروى نافع عن ابن عمر قال: " لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه وينام ". وقد ذكرنا اختلاف الفقهاء في غير هذا الموضع. وروى أبو يوسف عن محمد بن عبد الله عن عطاء عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يصلي ولا يتوضأ، فسئل عن ذلك فقال: " إني لست كأحدكم